ومنه يظهر ما في توجيه ذلك بأن الفعل الذي يتحقق به التجري وإن لم يتصف بحسن ولا قبح لكنه لا يمتنع أن يؤثر في قبح ما يقتضي القبح.
قوله - قدس سره -: (وعليه يمكن ابتناء منع الدليل العقلي السابق في قبح التجري) () يعني على منع عدم مدخلية الأمور الخارجة عن الاختيار، وإنما أتى بلفظ الإمكان مع أن الابتناء عند ذلك الوجه قطعي، بمعنى أن منع الدليل السابق بزعمه يتوقف على إمكان مدخلية الأمور الاضطرارية في استحقاق المدح والذم، لأن مبناه - وهو مدخلية الأمور الاضطرارية - لما ثبت عنده على وجه الإمكان حيث إنه ادعى إمكانه لا وقوعه ففرع عليه المنع كذلك.
قوله - قدس سره -: (مضافا إلى الفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدم من الدليل العقلي كما لا يخفى على المتأمل) المراد بالدليل العقلي إنما هو ما إشارة إليه المصنف بقوله: (وقد يقرر دلالة العقل على ذلك بأنا إذا فرضنا شخصين قاطعين) إلى آخر ما ذكره.
ثم إن الفرق بين المقامين: أن غرض المستدل بذلك الدليل العقلي إنما هو إثبات كون التجري مقتضيا لاستحقاق العقاب، ومن المعلوم أن منع أصل الاقتضاء لا يتوقف على مدخلية الأمور الغير الاختيارية في استحقاق المدح والذم بحيث لو لم يثبت هذه لم يصح ذلك لصحته بوجه آخر، وهو ما ذكرنا سابقا من أن () سبب الاستحقاق إنما هو الفعل الاختياري المحض لمن صادف قطعه الواقع، لا أنه أمر اضطراري حتى يتوقف إثبات كونه سببا على مدخلية الأمور الغير الاختيارية في المدح والذم وسببيته للعقاب والثواب، بل المتعين في منعه إنما