فشأنكم. فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟
قالوا: صدقت أيها الملك. قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه؟
قالوا: صدقت هذا هو الدين. فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب. والمنافقون أشد حالا منهم.
قال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار.
قال له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله، وبفقير صابر. فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور! وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها أي الكفر بعد الإيمان. أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى. أيها السائل، إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ولا يحزن على شيء منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.
قال له: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟
قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حميما قريبا. قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين. ثم غاب الرجل