الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تسطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفء له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه. هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها.
وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها. وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها، وما كان من مراحها وسائمها، وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتبلدة أممها وأكياسها، على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها!
وإن الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه. كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان. عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شيء إلا الله الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الامور. بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها.
لم يتكاءده (1) صنع شيء منها إذ صنعه، ولم يؤده منها خلق ما خلقه وبرأه، ولم يكونها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور، ولا للازدياد بها في ملكه، ولا لمكاثرة شريك في شركه، ولا لوحشة كانت منه؛ فأراد أن يستأنس إليها.
ثم هو يفنيها بعد تكوينها، لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها، ولا