وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات؛ فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم. " وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات؛ فإن فيه تبيان كل شيء، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وأن يتحرى رضا الله، ولا يتعرض لسخطه، ولا يصر على معصيته، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه ".
ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح " بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك "، فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك؛ فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت وكرهت.
وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بالإحسان إليهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان؛ إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط (1) منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه؛ فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك بما عرفك من كتابه، وبصرك من سنن نبيه (صلى الله عليه وآله).
عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا، لا تنصبن نفسك لحرب الله؛ فإنه لا يد لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. فلا تندمن على عفو، ولا تبجحن (2)