الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون على التفصيل والتمييز. وهذا يسقط الأصل الذي بنى عليه الأسئلة بأجمعها.
ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالى له ذلك. فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان.
والقول بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعلم قاتله والوقت الذي يقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، وجاء أيضا بأنه يعلم قاتله على التفصيل. فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل. ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به. ولعلمه بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها. ولا يكون بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ملقيا بيده إلى التهلكة، ولا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول.
وأما علم الحسين (عليه السلام) بأن أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع على ذلك، إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع، ولو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قدمناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين (عليه السلام) بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه.
وأما دعواه علينا أنا نقول: إن الحسين (عليه السلام) كان عالما بموضع الماء قادرا عليه، فلسنا نقول ذلك، ولا جاء به خبر، على أن طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلك، ولو ثبت أنه كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين (عليه السلام)، غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه.
والكلام في علم الحسن (عليه السلام) بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم، وقد جاء