2932 - تنبيه الخواطر عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي: لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه الناس معتزلا لأهل الهجر والأرجاف، فخرجت من بيتي لبعض حوائجي وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه ويتضرع إليه بصوت شجي وقلب حزين، فنضت (1) إليه وأصغيت إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول:
يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، يا أرحم الراحمين، البدئ البديع ليس مثلك شيء، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد وناصر محمد ومفضل محمد، أنت الذي أسألك أن تنصر وصي محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه بنصر أو توفاه برحمة.
قال: ثم رفع رأسه وقعد مقدار التشهد، ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت وقال: الهادي خلفك فاسأله عن أمر دينك. فقلت: من هو يرحمك الله؟
فقال: وصي محمد من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما أجنني الليل إذا أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية، ثم صف قدميه فأطال المناجاة، وكان فيما قال:
اللهم إني سرت فيهم ما أمرني رسولك وصفيك فظلموني، فقتلت المنافقين كما أمرتني فجهلوني. وقد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني، ولم تبق خلة