وهيبته، ثم راح ينادي بصوت عالي الصدح قوي الرنين: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه ".
قال هذه الجملة، ثم كررها ثلاثا، وطفق يدعو لمن يوالي عليا، ولمن ينصر عليا، ولمن يكون إلى جوار علي.
تبلج المشهد عن نداء نبوي أعلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاية علي وخلافته، على مرآى من عشرات الألوف، وقد اجتمعوا للحج من جميع أقاليم القبلة، وصدع ب " حق الخلافة " و " خلافة الحق ".
فهل ثم أحد تردد في مدلول السلوك النبوي، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصب بهذه الكلمات علي بن أبي طالب وليا وإماما؟ أبدا، لم يسجل المشهد التاريخي يومئذ من استراب بهذه الحقيقة أو شك فيها، حتى أولئك النفر الذين أخطؤوا حظهم، وعتت بهم أنفسهم، فأنفوا عن الانقياد؛ حتى هؤلاء لم يستريبوا في محتوى الرسالة النبوية، ولم يشكوا بدلالتها، إنما انكفأت بهم البصيرة، فراحوا يتساءلون عن منشأ هذه المبادرة النبوية، وفيما إذا كانت من عند نفس النبي أم وحيا نازلا من السماء.
انجلى المشهد عن علي بن أبي طالب وهو متوج بالولاية والإمارة، فانثال عليه كثيرون يهنئونه من دون أن تلوح في أفق ذلك العصر أدنى شائبة تؤثر في نصاعة هذه الحقيقة أو تشكك فيها، فهذا هو عمر بن الخطاب نهض من بين الصفوف المهنئة، وقد خاطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: " هنيئا لك يا بن أبي طالب! أصبحت اليوم ولي كل مؤمن " (1).