وقد فسر الزمان سر ذلك، فصدر منهم في المعارف الاسلامية والعلوم الحقيقية من التوحيد والتفسير والفقه والحديث والأخلاق والآداب وشرح معالم الانسانية، ما لم يصدر عن أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله -، وقد اعترف بذلك الموافق والمخالف.
ثم إن من جميع ذلك يظهر أن لا وجه لالحاق الاستخارة بالقرآن المجيد وبحبات السبحة، بالاستقسام بالأزلام لوجود الفرق بين الاستقسام بالأزلام وبين الاستخارة. فان حقيقة الاستقسام على القول الأول الذي ظهر لك ضعفه، يرجع إلى الشرك، واستعلام ما يكون في المستقبل، وطلب معرفة الخير والشر من الأصنام. والاستخارة حقيقتها، الدعاء، وطلب الحاجة، ومعرفة الخير من الله تعالى علام الغيوب.
والفرق بينهما، هو الفرق بين الشرك والتوحيد، مع أنه ليس في الاستخارة طلب معرفة ما يقع في مستقبل الحياة مثل الموت والمرض ووجدان الضالة وغيرها مما يكون مآله طلب معرفة الغيوب.
وإنما يستفاد منها إذا كان مؤداها الخير، أن الامر كيف وقع، ووقع أم لم يقع، يكون فيه الخير، وأن ما يقع هو أصلح الامرين أو الأمور.
ومثل هذا انما يؤثر في الاقدام على الفعل أو تركه، ولهذا ورد النهي عن التفاؤل بالقرآن دون الاستخارة به. فان التفاؤل إنما يكون فيما سيقع كشفاء المريض وقدوم المسافر وغيرهما، بخلاف الاستخارة، فإنها طلب لمعرفة الرشد وما فيه الخيرة.
فعلى هذا الاستخارة بالقرآن الكريم وبالسبحة، ليس مخالفا للكتاب، ولا مانعا من هدايته وإرشاده للتي هي أقوم، ولو قلنا بالقول الأول في تفسير الاستقسام. واما بحسب القول الثاني والثالث، فلا ارتباط بين الاستقسام والاستخارة أصلا، ولا وجه لالحاقها به.