الله وسنة رسوله، يعتبرها الخليفة غلطة كبرى ويضرب عنقه (1).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: " لما خفت بسر بن أرطأة، تواريت عنه فقال لقومي: " لا أمان لكم عندي حتى يحضر جابر فأتوني وقالوا: ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت، فحقنت دماءنا ودماء قومك، فإنك إن لن تفعل، قتلت مقاتلينا، وسبيت ذرارينا، فاستنظرتهم الليل، فلما أمسيت دخلت على أم سلمة (إحدى زوجات الرسول) فأخبرتها الخبر، فقالت: " يا بني انطلق، أحقن دمك ودم قومك، فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع وإني لأعلم أنها بيعة ضلالة " (2) هذه الواقعة تدلك بوضوح على طبيعة تعامل الخليفة وأركان دولته مع المسلمين، وعلى استهتاره بحياتهم ووجودهم وكرامتهم الإنسانية، فإن تغيب فرد من أفراد العشيرة أو الجماعة عن تنفيذ أمر الخليفة، فليس ما يمنع الخليفة، من أن يقتل المقاتلة ويسبي الذرية، فأنت أمام حالة من الإرهاب والقمع، لا مثيل لها في التاريخ، لقد ضاعت الأقلية المؤمنة وذلت، وشلت حركتها شللا كاملا، وخرج كل فرد من أفرادها باجتهاد مفادة أن الصبر أولى، والحياة خير من الموت، وطارت الأكثرية خلف مصالحها الدنيوية كل مطار، وضحت من أجل تلك المصالح بنعمة الحرية التي كانت تتمتع بها حتى في الجاهلية، وضحت بالكرامة، وبالكثير من القيم الإنسانية التي كانت تفخر بها حتى في الجاهلية مثل: النخوة، والشهامة، والإباء، وإغاثة الملهوف.
لقد اختلطت الأوراق اختلاطا عجيبا، فالأمة كلها تقف مع الخليفة الغالب أو تتظاهر بالوقوف معه، والأمة كلها تخشى الخليفة وأركان دولته خشية الموت، لقد مات إحساسها ولا فرق عندها أأصاب الخليفة أم أخطأ، أكان على الحق أو على الباطل، تماما كقوم فرعون، وما يميز قوم فرعون عن رعية الخليفة أنه كان في قوم فرعون رجال يكتمون إيمانهم، وينصحون فرعون وقومه علنا، ويخوفون