قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ما ملخصه: " قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام (الخليفة) بفسقه، وظلمه بغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجوز الخروج عليه " (1) هذا نموذج من القناعات الخاطئة التي رسخها إعلام دولة الخلافة، وأرساها المنهج التربوي والتعليمي الذي فرضته دولة الخلافة بالنفوذ والقوة على رعاياها.... لقد نجحت وسائل إعلام دولة الخلافة بإقناع الأكثرية الساحقة من المسلمين على أن محبة الخليفة وطاعته عبادة بل من أفضل العبادات والقربات التي يتقرب بها المسلم إلى الله، وأنه في سبيل هذه الطاعة يحل كل جرم مهما كانت بشاعته. كان شمر بن ذي الجوشن يقعد حتى يصبح ثم يصلي الصبح، ويقول في دعائه: اللهم اغفر لي!! فقيل له: كيف يغفر لك وقد خرجت إلى ابن بنت الرسول فأعنت على قتله؟، فقال: ويحك فكيف نصنع أن أمراءنا هؤلاء أمرونا فلن نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر؟!!!
وكان كعب بن جابر ممن حضر قتال الإمام الحسين في كربلاء يقول في مناجاته: " يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن غدر " (2).
فشمر الذي أعان على قتل الإمام الحسين، وكعب بن جابر الذي قاتل الإمام الحسين يعتقدان أن طاعة الخليفة واجب مفروض حتى لو أمر بقتل ابن النبي وأهل بيته!! ودنا عمر بن الحجاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين ونادى: " يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام " (3)، فمن خالف الخليفة فهو مجرم كائنا من كان، وقتله واجب على الرعية قبل أن يكون واجبا على الخليفة،!!!
لقد حاولت وسائل إعلام الدولة أن تجعل من الخليفة خليفة لله، وليس