الحق، كذلك فإن استعمال القوي الأمين للوظائف العامة ترتيب إلهي، لا يملك الرسول حق إلغائه أو تبديله أو تعديله. لقد كانت دولة الرسول دولة شرعية تتصرف وفق قواعد شرعية، لا يملك رئيس الدولة بحكم الشرع أن يخضعها لميوله أو توجهاته أو هواه الشخصي.
وجاء الخليفة ليحل بالقوة والتغلب والقهر محل رسول الله، وليقوم مقامه، ويمارس صلاحياته واختصاصاته، والمؤهل الوحيد لهذا القاهر المتغلب هو الغلبة، والغاية الوحيدة لهذا المتغلب هي المحافظة على الملك الذي غصبه وتسخير موارد الدولة وإمكاناتها الضخمة لدوام هذا الملك خالصا لشخصه وأسرته أو مواليه وخاصته، واستدعى هذا أن يخترع الخليفة معايير وموازين لم ينزل بها الله سلطانا.
فصار العطاء أو الرزق الشهري، وصار الدخل بالجيش والوظائف العامة مرهونا بالولاء المطلق للخليفة، والقبول بأفعاله مهما كانت، وطاعته حتى على الكبائر، وعدم الخروج على طاعته مهما كانت الأسباب!! وتوضيحا لموقف الأكثرية، لنفترض أن الخليفة رأى أن من مصلحة دولته إحراق بيت أهل بيت النبوة على أهله وهم أحياء!! هذا الفعل جريمة وفق كل الشرائع الإلهية والوضعية، فإذا قال أحد المسلمين للخليفة: يا أمير المؤمنين هذه جريمة، ولا يحل لك فعل هذا، فاتق الله!! فأول ما يفعله الخليفة هو قطع العطاء والرزق الشهري الذي كان يتقاضاه ذلك الذي وصف فعل الخليفة ب (أنه جريمة)، وثاني ما يفعله الخليفة هو حرمانه من وظائف الدولة، وثالث ما يفعله الخليفة هو وضعه في قائمة المشبوهين، الذين لا يوالون دولة الخلافة، ويوالون أعداءها. هذه القرارات الثلاثة لا تشمل الرجل وحده بل تشمل زوجته وأولاده وقد تؤثر على بطنه وعشيرته، فتحرق حاضر الجميع ومستقبلهم!! وقد يستبد الغضب بالخليفة أو بعامله، فيقتل هذا المعترض على فعله، ويهدم داره، ففي مثل هذه الأحوال من يجرؤ على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر؟! ومن يجرؤ على قول كلمة " لا "؟! فحياة كل فرد، وحياة كل أسرة، وحياة كل بطن، وكل عشيرة عمليا بيد الخليفة وأركان دولته، فقد تزهق روح الفرد قبل أن يرتد إليه طرفه. ورزق