كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٩٦
الحق، كذلك فإن استعمال القوي الأمين للوظائف العامة ترتيب إلهي، لا يملك الرسول حق إلغائه أو تبديله أو تعديله. لقد كانت دولة الرسول دولة شرعية تتصرف وفق قواعد شرعية، لا يملك رئيس الدولة بحكم الشرع أن يخضعها لميوله أو توجهاته أو هواه الشخصي.
وجاء الخليفة ليحل بالقوة والتغلب والقهر محل رسول الله، وليقوم مقامه، ويمارس صلاحياته واختصاصاته، والمؤهل الوحيد لهذا القاهر المتغلب هو الغلبة، والغاية الوحيدة لهذا المتغلب هي المحافظة على الملك الذي غصبه وتسخير موارد الدولة وإمكاناتها الضخمة لدوام هذا الملك خالصا لشخصه وأسرته أو مواليه وخاصته، واستدعى هذا أن يخترع الخليفة معايير وموازين لم ينزل بها الله سلطانا.
فصار العطاء أو الرزق الشهري، وصار الدخل بالجيش والوظائف العامة مرهونا بالولاء المطلق للخليفة، والقبول بأفعاله مهما كانت، وطاعته حتى على الكبائر، وعدم الخروج على طاعته مهما كانت الأسباب!! وتوضيحا لموقف الأكثرية، لنفترض أن الخليفة رأى أن من مصلحة دولته إحراق بيت أهل بيت النبوة على أهله وهم أحياء!! هذا الفعل جريمة وفق كل الشرائع الإلهية والوضعية، فإذا قال أحد المسلمين للخليفة: يا أمير المؤمنين هذه جريمة، ولا يحل لك فعل هذا، فاتق الله!! فأول ما يفعله الخليفة هو قطع العطاء والرزق الشهري الذي كان يتقاضاه ذلك الذي وصف فعل الخليفة ب‍ (أنه جريمة)، وثاني ما يفعله الخليفة هو حرمانه من وظائف الدولة، وثالث ما يفعله الخليفة هو وضعه في قائمة المشبوهين، الذين لا يوالون دولة الخلافة، ويوالون أعداءها. هذه القرارات الثلاثة لا تشمل الرجل وحده بل تشمل زوجته وأولاده وقد تؤثر على بطنه وعشيرته، فتحرق حاضر الجميع ومستقبلهم!! وقد يستبد الغضب بالخليفة أو بعامله، فيقتل هذا المعترض على فعله، ويهدم داره، ففي مثل هذه الأحوال من يجرؤ على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر؟! ومن يجرؤ على قول كلمة " لا "؟! فحياة كل فرد، وحياة كل أسرة، وحياة كل بطن، وكل عشيرة عمليا بيد الخليفة وأركان دولته، فقد تزهق روح الفرد قبل أن يرتد إليه طرفه. ورزق
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327