الجميع، مجتمعين ومنفردين بيد الخليفة وأركان دولته وقد يكون الرزق أو العطاء الشهري هو الدخل الوحيد للأكثرية الساحقة من أفراد رعايا دولة الخلافة، صحيح أن هنالك حفنة من الناس لا يتجاوز عددهم المائة، يملك كل واحد منهم الملايين بل المليارات من الدنانير الذهبية كعبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزبير.. ولكن بقية أفراد الأمة يحصلون على رغيفهم المجبول بالذل والهوان يوما بيوم بعد أن يدفعوا أعلى الضرائب: دينهم، وشرفهم، وكرامتهم، ثمنا لهذا الرغيف، ومن الطبيعي بأن تكون على كل واحد منهم التزاماته الخاصة لمحبيه، وأطفاله الذين يحبهم، ورغبته الجامحة بأن يبقى إلى جانبهم ليحميهم ويطعمهم.
في هذا المناخ ذلت رقاب المسلمين ذلا لم تذق أمة من أمم الأرض مر ذل كذل المسلمين، ومات عندهم الشعور العام، وتخدرت كافة أحاسيسهم فاستمرأوا الذل، واستمرأوا الحياة مع الذل، وأدمنوا بحبها، وارتاحوا إلى القول بأن هذا قضاء الله وقدره، وأن الصبر نصف الإيمان، وأن طاعة الخليفة واجبة كطاعة الرسول!!!.
من يتتبع تاريخ دولة الخلافة يجد أن أكبر الكبائر، بل وكل الكبائر كانت قد ارتكبت في مجتمع دولة الخلافة من قبل الخليفة وأركان دولته وبأعصاب باردة ودون أن يحسبوا أي حساب لأحد، ونادرا ما تجد رجلا واحدا قد أنكر هذه الكبيرة أو تلك!! لماذا؟ لأن كل فرد مقيد اقتصاديا بغل لا مثيل له، ومقيد اجتماعيا، وسياسيا، فهو قن وعبد مملوك بذاته وحاضره ومستقبله، يتصرف الخليفة تصرف المالك بعبيده!!
قد يندهش بعض القراء ويرى أن في كلامنا شيئا من المبالغة!! لكن ما قلناه هو الحقيقة بعينها، فقد يأمر الخليفة ولاته بأن يأخذوا البيعة له من المسلمين على إنهم أقنان وعبيد له بالفعل، يتصرف بهم تصرف المالك بأقنانه وعبيده، فقد أخذ مسلم بن عقبة البيعة من أهل المدينة، على أنهم فئ لأمير المؤمنين يفعل في أموالهم وذراريهم ما يشاء (1) فإذا قال أحد من المسلمين: بل أبايعك على كتاب