3 - الإدمان على حب الحياة مع الذل وكراهية الموت:
لم يغتصب الخليفة منصب الخلافة بالقوة والقهر فحسب، إنما اغتصب أيضا كافة موارد الدولة وأموالها واعتبرها بمثابة خزانة مالية خاصة به، واغتصب أيضا إمكانات الدولة وامتيازاتها وطاقاتها الهائلة، وسخر كل ذلك لتثبيت ملكه وتوطيد سلطانه. فالخليفة المتغلب يستعمل عمالا لأقاليم دولته وكورها، وقادة وجنودا لجيشه المخصص عمليا لحفظ الأمن الداخلي لدولته وتحقيق المجد الشخصي له من فتوحاته، ويستعمل موظفين لإدارته، وبالوقت نفسه يقدم عطاء ورزقا شهريا لأفراد رعيته، ورواتب لمستخدميه. وهي صلاحيات كانت تقوم بها دولة الرسول الأعظم، تحت رقابة النبي المعصوم عن الوقوع في الزلل أو الانحراف وراء هوى، فكان المواطن المسلم أو المتظاهر بالإسلام يأخذ عطاءه ورزقه من دون منة ولا شروط، وكان الرسول يضع الرجل المناسب بالمكان المناسب عندما يستعمله ومن دون خلفيات أو أفكار مسبقة، فمعايير النبي بالتعيين في الوظائف العامة مبنية على القوة والأمانة، فحيث ما وجد صاحب القوة والأمانة استعمله، بمعنى أن النبي كان يعطي الناس بالسوية من مال الله (مال الدولة) لتشابه الحاجات الأساسية عند بني البشر، وكان يستعمل القوي الأمين القادر على تحقيق الغاية الشرعية من استعماله، وفي التوزيع والاستعمال كان النبي يستند على معايير موضوعية وشرعية، وكان الناس سعداء زمن دولة الرسول. فالإمام الرسول (رئيس الدولة) يعيش هو وأفراد أسرته بتواضع، وكأي فرد في المجتمع، وعلى الرغم من قلة موارد بلاد العرب التي كانت تحكم دولة الرسول إلا أن هذه الموارد موزعة بصورة عادلة، فالشعور بالرضا والسعادة كان يغمر غالبية رعايا دولة النبي، فكثير من الأجلاف من العرب، بل ومن قدماء الصحابة كان يحرج النبي، وينتقد بعض أعمال النبي علنا ويجهر بعدم موافقته عليها، أو يتخذ موقفا مناقضا لموقف النبي، ولكن لم يصدق على الإطلاق أن قطع النبي عن هذا المواطن أو ذاك رزقه أو عطاءه الشهري، لأن هذا الرزق أو العطاء منحة إلهية، وحق ثابت للمسلم، وليس من صلاحية النبي أن يصادر هذا