يجادل بها إلا جاهل. هذا الخليفة الغالب أو الذي عهد إليه غالب، صار يتمتع بكافة الصلاحيات الهائلة بوصفه اسميا على الأقل (خليفة رسول الله) ولما رست أجرانه في الأرض، وانقادت إليه الرعية، صارت كل أموال الدولة تحت تصرفه ومفاتيحها بيديه وبيد أوليائه، ينفقون منها ما يشاؤون لمن يشاؤون ويدخرون منها ما يشاؤون بلا حسيب ولا رقيب فهي بمثابة مال خاص للخليفة ولا رقابة عليه إلا من ضميره!! وكل نفوذ الدولة وجاهها بقبضة يديه، وكل القوة العسكرية تحت تصرفه، وكل أقاليم الدولة عمليا ملكه الخاص، هذه الإمكانيات والطاقات الهائلة والصلاحيات الفضفاضة جعلت من الخليفة وأركان دولته الذين يوالونه ويشاطرونه أطره وقناعاته أو يتظاهرون بذلك قوة رهيبة ليس مثلها على وجه الأرض قوة، ولأن الخليفة اسميا هو (خليفة رسول الله) فقد تسلحت تلك القوة بالدين ولبست لبوسه، وسخرت تلك القوة الرهيبة كامل إمكانيات دولة الخلافة للمحافظة على تفردها بمنصب الخلافة، وعلى نظام الخلافة نفسه.
فصار الولاء للخليفة ونظامه وأعوانه، أو التظاهر بهذا الولاء، وصار تمجيد أفعال الخليفة والقبول بها أو التظاهر بذلك هو الأساس لعز الفرد، وهو الطريق لمكانة الفرد في المجتمع، وهو الأسلوب الأنجع ليحصل الفرد على نصيب من مال الخليفة أو نفوذه، أو جاهه وليتجنب كارثة الاصطدام بقوته الرهيبة.
فالخليفة يقدم عطاء شهريا لأفراد الرعية، ويستعمل عمالا لأقاليمه وكوره، وقادة لجيشه، وموظفين لإدارته، وجنودا لأمنه وفتوحاته والدخول بهذه المجالات متاح لكل الذين يوالونه ويوالون نظامه، ويقبلون بما يفعل، أو يتظاهرون بذلك والخليفة يكتفي بالتظاهر فإذا ثبت للخليفة أو لأركان دولته أن هذا أو ذاك لا يواليه، ولا يوالي نظامه ولا يقبل بأفعاله، فالعقوبة الآلية هي الحرمان من العطاء والرزق الشهري وإغلاق مؤسسات الدولة بوجهه فلا مكان له لا بالجيش ولا بالإدارة، ووضعه في قائمة أعداء الخليفة أو قائمة من يحب ويوالي أعداء الخليفة!! وتلك جريمة من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها الموت في قوانين دولة الخلافة!! ولكنها مسربلة بغطاء ديني فيقتله الخليفة باعتباره شاقا لعصا الطاعة، أو خارجا على الجماعة، أو مفرقا لوحدة الأمة بعد الاجتماع، كما فعل