كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٩١
يجادل بها إلا جاهل. هذا الخليفة الغالب أو الذي عهد إليه غالب، صار يتمتع بكافة الصلاحيات الهائلة بوصفه اسميا على الأقل (خليفة رسول الله) ولما رست أجرانه في الأرض، وانقادت إليه الرعية، صارت كل أموال الدولة تحت تصرفه ومفاتيحها بيديه وبيد أوليائه، ينفقون منها ما يشاؤون لمن يشاؤون ويدخرون منها ما يشاؤون بلا حسيب ولا رقيب فهي بمثابة مال خاص للخليفة ولا رقابة عليه إلا من ضميره!! وكل نفوذ الدولة وجاهها بقبضة يديه، وكل القوة العسكرية تحت تصرفه، وكل أقاليم الدولة عمليا ملكه الخاص، هذه الإمكانيات والطاقات الهائلة والصلاحيات الفضفاضة جعلت من الخليفة وأركان دولته الذين يوالونه ويشاطرونه أطره وقناعاته أو يتظاهرون بذلك قوة رهيبة ليس مثلها على وجه الأرض قوة، ولأن الخليفة اسميا هو (خليفة رسول الله) فقد تسلحت تلك القوة بالدين ولبست لبوسه، وسخرت تلك القوة الرهيبة كامل إمكانيات دولة الخلافة للمحافظة على تفردها بمنصب الخلافة، وعلى نظام الخلافة نفسه.
فصار الولاء للخليفة ونظامه وأعوانه، أو التظاهر بهذا الولاء، وصار تمجيد أفعال الخليفة والقبول بها أو التظاهر بذلك هو الأساس لعز الفرد، وهو الطريق لمكانة الفرد في المجتمع، وهو الأسلوب الأنجع ليحصل الفرد على نصيب من مال الخليفة أو نفوذه، أو جاهه وليتجنب كارثة الاصطدام بقوته الرهيبة.
فالخليفة يقدم عطاء شهريا لأفراد الرعية، ويستعمل عمالا لأقاليمه وكوره، وقادة لجيشه، وموظفين لإدارته، وجنودا لأمنه وفتوحاته والدخول بهذه المجالات متاح لكل الذين يوالونه ويوالون نظامه، ويقبلون بما يفعل، أو يتظاهرون بذلك والخليفة يكتفي بالتظاهر فإذا ثبت للخليفة أو لأركان دولته أن هذا أو ذاك لا يواليه، ولا يوالي نظامه ولا يقبل بأفعاله، فالعقوبة الآلية هي الحرمان من العطاء والرزق الشهري وإغلاق مؤسسات الدولة بوجهه فلا مكان له لا بالجيش ولا بالإدارة، ووضعه في قائمة أعداء الخليفة أو قائمة من يحب ويوالي أعداء الخليفة!! وتلك جريمة من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها الموت في قوانين دولة الخلافة!! ولكنها مسربلة بغطاء ديني فيقتله الخليفة باعتباره شاقا لعصا الطاعة، أو خارجا على الجماعة، أو مفرقا لوحدة الأمة بعد الاجتماع، كما فعل
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327