كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٨٩
ومع سبق الترصد والإصرار خرجت الأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية من الشرعية الإلهية بمفهومها الآنف حتى والرسول على قيد الحياة، فعندما أراد الرسول أثناء مرضه أن يكتب توجيهاته النهائية ليجنب الأمة العاصفة التي تنتظر موته، قالت زعامة بطون قريش للنبي وجها لوجه، وفي منزله أنت تهجر، ما باله إنه هجر، استفهموه إنه يهجر، ولسنا بحاجة لكتابك ولا لتوجيهاتك النهائية، لأن القرآن عندنا وهو يكفينا!!! (1) هذا الكلام الخطير أخرج زعامة بطون قريش ال‍ 23 من إطار الشرعية والمشروعية الإلهية تماما وأدخلها في التيه، وبعد ساعة واحدة من وفاة النبي تمكنت زعامة بطون قريش التي واجهت النبي وقالت له ما قالت من الاستيلاء على منصب الخلافة بالقهر والغلبة وكثرة الأتباع، وكانت أول مشاريع تلك الزعامة منصبة على تحجيم أهل بيت النبوة وإذلالهم وإجبارهم على الاعتراف سياسيا بالأمر الواقع المناقض تماما للشرعية الإلهية، ففي اليوم الذي مات فيه النبي جهزت زعامة البطون التي استولت على منصب الخلافة بالقوة حملة عسكرية مهمتها إجبار أهل بيت النبوة على الخروج والمبايعة والاعتراف بالأمر الواقع وإن أبوا ذلك فعلى قادة الحملة وعناصرها أن يحرقوا بيت أهل بيت محمد على من فيه، وفيه فاطمة بنت النبي، وعلي الولي الشرعي وابن عم النبي وطفلاه الحسن والحسين حفيدا النبي!!! وشرعت الحملة العسكرية بالفعل بإحراق البيت على من فيه (2)، إذ خلال أسبوع واحد من وفاة الرسول حرموا أهل بيت النبوة من ميراث الرسول وتركته (3)، وصادروا المنح التي أعطاها الرسول

(١) هذه واقعة ثابتة رواها البخاري ومسلم وابن حنبل وقد ذكرنا المراجع ووثقناها، وحللناها في كتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٨٧ وما بعد وفي كتابنا المواجهة، فارجع إليهما.
(٢) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣٤ ص ٦٤، وأبو الفداء ج ١ ص ١٥٦، وأنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٦، وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠، والرياض النضرة ص ١٦٧ وكتاب السقيفة برواية ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٢ و ج ٦ ص ٢، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٨ وتاريخ ابن شحنة ص ١١٣ بهامش الكامل، ومروج الذهب ج ٢ ص ١٠٠ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.
(٣) راجع صحيح الترمذي ج ٧ ص ١١١ باب " ما جاء في تركة الرسول " ومسند أحمد ج ١ ص ١٠ ح ٦٠ وسنن الترمذي ج ٧ ص ١٠٩ وطبقات ابن سعد ج ٥ ص ٧٧ وتاريخ ابن الأثير ج ٥ ص ٢٨٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٥ والطبقات ج 2 ص 315.
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327