رسول الله، والإمام الشرعي الذي اختاره الله، وابن علي، وحفيد أبي طالب قد ترك إخوته وأبناءه، وأبناء إخوته تحت رحمة عدوه وعدوهم، ونجا بنفسه!!! إن نفسه القدسية الشريفة، وعواطفه العميقة النبيلة، تترفع عن مجرد تصور هذا!!!.
ثم إنه ليس في الدنيا كلها عاقل واحد يمكن أن يترك ذرية خلفه تحت رحمة خصمه، وفي ظروف كظروف الحسين، وخيارات محدودة لخياراته!!
فكان قراره بإخراج ذريته معه قرار حكيما ومنطقيا، وفطريا ومنسجما مع طبيعة تركيبة النفس البشرية، ومع الفطرة النقية السليمة التي لم تمسها تعقيدات الحياة، ولم يدنسها مرض المكر والالتواء والأنانية.
ثم إن ذريته الطيبة كنفسه التي بين جنبيه، يصونها ويحميها بكل وسائل الحماية التي ألهمه الله إياها، فأينما حلت تلك النفس الزكية تحل تلك الذرية الطاهرة، وأينما رحلت ترحل، يغدق عليها أقدس عواطفه، ويحبوها بعظيم رعايته، ومن ساواك بنفسه ما ظلمك.
عندما خرج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة ومعه إخوته وذراريهم، وأبناء عمومته وذراريهم، قال له أهل بيته: " لو سلكت الطريق الأقرع لكان أصلح، فقال لهم الإمام الحسين: " أتخافون الطلب؟ قالوا: أجل ".
قال الإمام الحسين: لن أحد الطريق حذر الموت، وأنشأ يقول:
إذا المرء لا يحمي بنيه وعرضه * وعترته كان اللئيم المسببا (1) هذه طبيعة الرجل الذي خرج، وأخرج ذريته معه، وأخال أخوته، وأبناء عمومته، قد حللوا الموقف كما حلله الإمام الحسين، وتوصلوا إلى ذات النتائج التي توصل إليها الإمام الحسين، وأخال النسيج النفسي لكل واحد منهم يتشابه مع النسيج النفسي لذات الإمام الحسين!! ولم لا!! فهم أحفاد شيخ البطاح أبي طالب، وأبناء فارس الإسلام وسيد العرب والعجم، والمسلمين عامة علي (ع) (2).