كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٧٥
رسول الله، والإمام الشرعي الذي اختاره الله، وابن علي، وحفيد أبي طالب قد ترك إخوته وأبناءه، وأبناء إخوته تحت رحمة عدوه وعدوهم، ونجا بنفسه!!! إن نفسه القدسية الشريفة، وعواطفه العميقة النبيلة، تترفع عن مجرد تصور هذا!!!.
ثم إنه ليس في الدنيا كلها عاقل واحد يمكن أن يترك ذرية خلفه تحت رحمة خصمه، وفي ظروف كظروف الحسين، وخيارات محدودة لخياراته!!
فكان قراره بإخراج ذريته معه قرار حكيما ومنطقيا، وفطريا ومنسجما مع طبيعة تركيبة النفس البشرية، ومع الفطرة النقية السليمة التي لم تمسها تعقيدات الحياة، ولم يدنسها مرض المكر والالتواء والأنانية.
ثم إن ذريته الطيبة كنفسه التي بين جنبيه، يصونها ويحميها بكل وسائل الحماية التي ألهمه الله إياها، فأينما حلت تلك النفس الزكية تحل تلك الذرية الطاهرة، وأينما رحلت ترحل، يغدق عليها أقدس عواطفه، ويحبوها بعظيم رعايته، ومن ساواك بنفسه ما ظلمك.
عندما خرج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة ومعه إخوته وذراريهم، وأبناء عمومته وذراريهم، قال له أهل بيته: " لو سلكت الطريق الأقرع لكان أصلح، فقال لهم الإمام الحسين: " أتخافون الطلب؟ قالوا: أجل ".
قال الإمام الحسين: لن أحد الطريق حذر الموت، وأنشأ يقول:
إذا المرء لا يحمي بنيه وعرضه * وعترته كان اللئيم المسببا (1) هذه طبيعة الرجل الذي خرج، وأخرج ذريته معه، وأخال أخوته، وأبناء عمومته، قد حللوا الموقف كما حلله الإمام الحسين، وتوصلوا إلى ذات النتائج التي توصل إليها الإمام الحسين، وأخال النسيج النفسي لكل واحد منهم يتشابه مع النسيج النفسي لذات الإمام الحسين!! ولم لا!! فهم أحفاد شيخ البطاح أبي طالب، وأبناء فارس الإسلام وسيد العرب والعجم، والمسلمين عامة علي (ع) (2).

(١) راجع مقتل الحسين لأبي مخنف ص ٢٥ وينابيع المودة ٤٠٢ والموسوعة ص ٣٠٠.
(٢) راجع تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام علي ج ٢ ص ٢٥٧ ح ٧٧٢، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢٣٤ وكنز العمال ج ٥ ص ١٥٧ ح ٤٤٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٧٠ وأسد الغابة ج ١ ص ١٩ و ج ٣ ص ١١٦، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٧، وكنز العمال ج ١٥ ص ١٢٦.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327