كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٧٩
الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإن فعل ذلك رأينا رأينا والسلام " (1) أنت تلاحظ أن عبيد الله بن زياد قد أجاب عمر بن سعد بغير ما صمم عليه وأنه كلف عمر بأخذ البيعة من الإمام الحسين ومن معه، ثم يرى رأيه في الحسين فلو كان الحسين يريد بيعة يزيد لبايعه في المدينة، ولكان في غنى عن رحلته المليئة بالمكاره والمتاعب، ولو أراد أن ينزل على حكم لنزل على حكم الفرعون نفسه يزيد بن معاوية بدلا من النزول على حكم عبد تافه من عبيده كابن زياد، مثلما نلاحظ بأن الإمام الحسين لو اقتنع بالعاقبة المفجعة بينه وبين القوم وأراد الانسحاب والرجوع، لما وجد إلى ذلك سبيلا، فجيش الفرعون لن يسمح له بذلك، إنه مصمم على ارتكاب المذبحة، أنظر إلى قول عبيد الله بن زياد: " يرجو النجاة ولات حين مناص ". ويؤكد ذلك ما رواه الطبري، عن أبي مخنف أن عبيد الله بن زياد بعث برسالة إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص جاء فيها: " أما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شفيعا، أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره... وإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن، وبين العسكر فإنا قد أمرنا بأمرنا والسلام " (2).
والخلاصة أنه لما قامت البينة الشرعية على نكث القوم وغدرهم صار انسحاب الحسين ورجوعه من أعظم المستحيلات، لأن يزيد وجنوده قد خططوا للمذبحة، وخططوا لتنفيذها، ولم تعد بيعة الإمام الحسين مهمة، بل الأهم منها

(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٥ وما بعدها.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ وما بعد.
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327