الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإن فعل ذلك رأينا رأينا والسلام " (1) أنت تلاحظ أن عبيد الله بن زياد قد أجاب عمر بن سعد بغير ما صمم عليه وأنه كلف عمر بأخذ البيعة من الإمام الحسين ومن معه، ثم يرى رأيه في الحسين فلو كان الحسين يريد بيعة يزيد لبايعه في المدينة، ولكان في غنى عن رحلته المليئة بالمكاره والمتاعب، ولو أراد أن ينزل على حكم لنزل على حكم الفرعون نفسه يزيد بن معاوية بدلا من النزول على حكم عبد تافه من عبيده كابن زياد، مثلما نلاحظ بأن الإمام الحسين لو اقتنع بالعاقبة المفجعة بينه وبين القوم وأراد الانسحاب والرجوع، لما وجد إلى ذلك سبيلا، فجيش الفرعون لن يسمح له بذلك، إنه مصمم على ارتكاب المذبحة، أنظر إلى قول عبيد الله بن زياد: " يرجو النجاة ولات حين مناص ". ويؤكد ذلك ما رواه الطبري، عن أبي مخنف أن عبيد الله بن زياد بعث برسالة إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص جاء فيها: " أما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شفيعا، أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره... وإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن، وبين العسكر فإنا قد أمرنا بأمرنا والسلام " (2).
والخلاصة أنه لما قامت البينة الشرعية على نكث القوم وغدرهم صار انسحاب الحسين ورجوعه من أعظم المستحيلات، لأن يزيد وجنوده قد خططوا للمذبحة، وخططوا لتنفيذها، ولم تعد بيعة الإمام الحسين مهمة، بل الأهم منها