وروي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك الا الثقلين، كتاب الله عز وجل، وعترته أهل بيته، وكان قد أسر إلى فاطمة رضي الله عنها، انها لاحقة به، وانها أول أهل بيته لحوقا به، فقالت رضي الله عنها (بينما انا نائمة بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كان أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشرف علي، فلما رايته لم أملك نفسي ان ناديت: يا أبتاه، انقطع عنا خبر السماء فبينما انا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفا يقدمها ملكان حتى اخذا بي فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي، فإذا انا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار، تطرد قصرا بعد قصر وبستانا بعد بستان، وإذا قد طلع علي من تلك القصور جوار كأنهن الدمى مستبشرات يضحكن إلي ويقلن: مرحبا بمن خلقت لها الجنة، وخلقنا نحن من اجل أبيها، ولم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور، وفي كل قصر بيوت فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها من السندس والاستبرق، وعلى الأسرة الكثير منها، وعليها الا لحفة من الحرير والديباج بألوان شتى، ومن أواني الذهب والفضة ما يأخذ بالابصار، وعليها ألوان الطعام، وفي تلك الجنان نهرا شد بياضا من اللبن، وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب رائحة من المسك، فقلت لمن هذه الدار، وما هذه الأنهار، فقالوا هذه الدار هي الفردوس الاعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن أحب الله عز وجل من الشهداء والصديقين، وهذا هو نهر الكوثر الذي وعد الله تبارك وتعالى أباك صلى الله عليه وسلم ان يعطيه إياه، قلت: فأين أبي، قالوا: الساعة يدخل عليك، فبينما انا كذلك إذ برزت لي قصور أشد بياضا من تلك القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا انا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي جالس على تلك الفرش ومعه جماعة، فأخذني وضمني وقبل ما بين عيني، وقال: مرحبا بابنتي، وأقعدني في حجره، ثم قال: يا حبيبتي، اما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه، وأراني قصورا مشرفات فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذا مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهم، فطيبي نفسا، فإنك قادمة علي بعد أيام، قالت: فطار قلبي، واشتد شوقي، فانتهبت مرعوبة).
(١٧٣)