وفي ظلمات الجهالة والتخلف بهرت المقهورين حضارة أوربة فلم تبق لهم ذاتهم، ولم يصيروا أوربيين. وعجزوا عن أن يطردوا الغزو الأوربي، في حين قدر آباؤهم على دفع الغزو الصليبي لأنهم كانوا أقرب إلى القيم الإسلامية.
وتلاحق التدهور حتى بداية النهضة الحديثة للمسلمين. حتى إذا أخذت الشعوب الإسلامية بأسباب العلم، نظرت إلى داخلها تلتمس القوة من ذاتها.
فاستشعرت حقائق القوة في طاقاتها. وعادت تلتمس الأسباب في صميم حضارتها، وفي تمسكها بعقيدتها، التي اشتقت منها منهجها العلمي. وهو الذي صار " المنهج العلمي العالمي " الذي نقلته عنها أوربة منذ القرون الوسطى (1).
* * * والتاريخ معلم كبير.
وأول علومه: أن كثيرا من صفحاته تتكرر. وأنه خطاب مستمر، مفتوح السجل لكل ذي بصر.
ويعلمنا التاريخ أن الوحدة هي التي تصنع النصر. سواء أكانت وحدة شاملة، كمثل ما كان الأمر في الصدر الأول، أم كانت وحدة للحرب، كما صنع الخليفة الفاطمي " الشيعي " وسلطان دمشق " السني "، لرد غائلة الصليبيين.
أم وحدة القوى كما صنع صلاح الدين ليعيد بيت المقدس للمسلمين..
كل أولئك صيحات عالية بأن الإسلام واحد، كلما جد خطر. وأن الاعتصام به مصدر الضفر.
ولما اتحد العرب، تجمع المسلمون، بعد العاشر من رمضان سنة 1393 حتى العالم هاماته لهم.
ويعلمنا التاريخ أن أمتنا بلغت شأوها كلما استمسكت بعقيدتها و التزمت تعاليمها، وأن التقصير في جانب الدين كالخرق الواسع، لا يبقى على شئ مهما يجمع الناس.
والمصلحون الاجتماعيون والسياسيون، الذين تعمى أبصارهم عن هذه الحقيقة، يضربون في حديد بارد.