الزاهدان الشهيران: ما بدء أمرك الذي أبلغك هذا؟ قال شقيق:
مررت ببعض الفلوات فرأيت طائرا مكسور الجناحين في فلاة من الأرض. فقلت أنظر من أين يرزق هذا. فقعدت بحذائه: فإذا بطير أقبل وفي منقاره جرادة فوضعها في منقار الطير مكسور الجناحين. فقلت في نفسي: إن الذي قيض هذا لهذا قادر أن يرزقني حيث كنت. فتركت التكسب واشتغلت بالعبادة.
قال إبراهيم: ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم الطير العليل حتى تكون أفضل منه؟ أما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن " اليد العليا خير من اليد السفلى ".
وخرج الإمام الصادق يسعى للرزق في يوم صائف شديد الحر.
فقالوا: يا ابن رسول الله هذه حالك عند الله عز وجل، وقرابتك من رسول الله، وأنت تجهد نفسك في هذا اليوم! فقال لمن حدثه " خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك ".
ولما أخبروه يوما عن رجل يقول: لأقعدن ولأصلين ولأعبدن الله قال " هذا أحد الذين لا يستجاب لهم ".
* * * ولا بأس أن يجد العامل في عمله بعض مشقة. فما هي إلا زيادة في الفضيلة فيه أو الهناءة به.
جاءه من يرجوه ليدعو الله ألا يجعل رزقه على أيدي العباد، فأجابه:
(أبى الله عليك ذلك. آلى الله ألا أن يجعل رزق العباد، بعضهم من بعض. ولكن ادع الله أن يجعل رزقك على أيدي خيار خلقه. فإنه من السعادة. ولا يجعله على أيدي شرار خلقه. فإنه من الشقاوة).
والصادق بهذا التنبيه يلفت النظر إلى أن التعامل يقتضى وجود طرفين، والسعيد من صلح طرفه الآخر. وهو فوق ذلك يكمل نقصا لدى كثير من الصالحين الذين يفوتهم أن خوض الغمرات للرزق، مع النجاة من ارتكاب الإثم في تحصيله، درجة أعلى في الفضل - بل هو يبصرهم بالمكروه الذي يلقاه الناس إذ يبتغون غضارة العيش أو نضارة الحياة.