وكما يعمل الإمام بيده ليتعلم الناس، يتجر بماله ليعلمهم دروسا في التجارة - بالتطبيق العملي الذي تشهده الملايين فتتعلم. وهو أجدى عليها من أن تعطى ملايين تنفقها ولا تتعلم.
دعا يوما مولاه مصادف فأعطاه ألف دينار وقال له تجهز حتى تخرج إلى مصر فإن عيالي قد كثروا. فتجهز بمتاع. وخرج مع التجار حتى إذا دنوا من مصر، استقبلتهم عير خارجة منها، فسألوهم عن المتاع الذي يحملونه ما حال في مصر، وما متاع العامة؟ فعلموا منهم أن ليس بمصر منه شئ. فتحالفوا على ألا ينقصوا من ربح دينار دينارا.. ووسع عليهم في الربح. ثم فصلت العير عن مصر إلى المدينة بالكسب العميم.
ودخل مصادف على مولاه ومعه كيسان في كل منهما ألف دينار. وقال:
جعلت فداك. هذا رأس المال وهذا الربح.
قال الصادق: إن هذا الربح كثير. ماذا صنعتم؟ فحدثه كيف سألوا وكيف توافقوا وكيف باعوا.
قال الصادق: سبحان الله تحلفون بالله على قوم ألا تبيعوا أو يربح الدينار دينارا!
ثم أخذ واحدا من الكيسين فقال: هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في الربح. ثم قال: " يا مصادف. مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال ".
هكذا بورك لمصر في متاع الإمام. لكن الإمام لم يقبض درهما من أموال مصر. أن قد أساء البيع الوكلاء. مذ كانوا محتكرين ولا " يحتكر إلا خاطئ ". وهذا أول الدروس. وهي كثيرة. منها أن زيادة الجهد واجبة عند كثرة العيال. وأن ترك ما فيه شبهة هو الحق، وأن النظر إلى الأمد كلها واجب. وهو أوجب على العلماء والرعاة.
كان إذا جاع الناس صنع صنيع آبائه فأخذ جرابا فيه الخبز واللحم والدراهم على عاتقه، فذهب إلى ذوي الحاجات من أهل المدينة.