ونحن مأمورون باستعمال العقل. وحكم السماء تظهر للعقول بالتدريج.
كان أصحاب النبي يجتهدون في وجوده وازدادت حاجتهم للاجتهاد بعد موته. والدنيا أطوار تحتاج للفقه الذي يطبق عليها حكم الشريعة لتبقى الحياة محكومة بالدين، وتتطور في حدود مقاصد الشارع.
وحكم الله في كل مسألة معين، نصب الله دليلا عليه. فمن المجتهدين من يصل إليه ويصيبه. ومنهم من لا يصل إليه ويظن غيره. فهو مخطئ معذور. مغفور له خطؤه ما دام قد بذل جهده دون هوى.
وللمصيب أجران لصوابه واجتهاده وللمخطئ أجر واحد على اجتهاده فذلك حكمه صلى الله عليه وسلم (1) ومن أجله كانت السماحة التي اتصف بها الصحابة إذ يختلفون.
والمنصفون من كل المذاهب يعلنون أن في المذاهب الفقهية المعتبرة خطأ وصوابا. وليس منها مذهب واحد كله خطأ أو كله صواب.
لذلك كان التعصب المطلق آفة تؤوف الفقهاء. لقد كثرت مخالفات علي لعمر، ونزول عمر عند رأي علي.
وعلي هو القائل بأنه ترك لعمر تنفيذ رأيه (في بيع أمهات الأولاد) في حياة عمر، ولما آل إليه الأمر أنفذ رأيه. فعلمنا أمورا: منها:
1 - أن المذهب الشيعي وهو يدور حول آراء علي، إنما هو مذهب حي في حياة الخلفاء الراشدين أنفسهم. فلما آل إليه الأمر وأتيحت له الفرصة التي أتيحت لغيره لتطبيق اجتهاداته أنفذها - ولكن المكان والزمان ضاقا عليه لتوزع جهده في الحروب، وانحصار سلطانه على الأرض، ومعاجلته بيد الخوارج.
2 - حق الخليفة في إنفاذ رأيه. ومن ثمة أنفذ عمر رأيه في أمور شتى كما أنفذ أبو بكر رأيه من قبل. والرأي اجتهاد.