بفقه طابعه الشمول، أنزل الخلفاء الراشدين الأربعة منازلهم. وسبحت ثلة منهم بزوارق السلطة خوفا أو طمعا. ورأى البعض إرجاء إبداء الآراء. وبطش بنو أمية جبارين. فقل عدد الشيعة أو توارى بعضهم تقية، كما قل اتصال أهل البيت بالعامة وفقهاء الجمهور. واستمسك الشيعة بفقههم وروايات الأحاديث من من أئمتهم أو عن أئمتهم.
ولما قتل معاوية حجر بن عدي، لغضب الصحابي الجليل من القدح في أهل البيت، كان معاوية يقتل استقلال الآراء عن السلطة. ثم كانت البطشة الكبرى بأهل البيت في كربلاء (سنة 61) متابعة من يزيد لأبيه في حماية " العرش " الأموي بغير حساب. ثم صفت وقعة الحرة (63) جيل الصحابة من المهاجرين والأنصار.
وفصلت حروب المختار بن عبيد بين أشياع السلطة وبين على من جديد - ولم تكن حرب ابن الزبير مع أهل الكوفة، ولا حربهم لبني مروان، الا أسبابا جديدة لانكماش الشيعة. والحجاج - والى عبد الملك بن مروان - مصلت سيفه. وكمثله الولاة بعده.
في أخريات هذا العهد كان زين العابدين قد ملأ الأفق بورعه وعلمه وسخائه، حتى مات. وبزغ نجم الباقر في سماء المدينة، وأعقبه الصادق، ليبدأ إمامة مهد لها أبوه. ومكن لهم أن ينشروا العلم، الانصراف عن السياسة أو المطالبة بالحكم، فأشرق الفجر الجديد.
لكن خروج زيد بن علي، ثم هجوم الخوارج على المدينة، ثم هزيمتهم، ثم هزيمة بنى مروان أمام العباسيين، ثم فتكات العباسين بأبناء على، وقد تضاءلت بالنسبة لها صعقات الأمويين، كل أولئك زاد القطيعة بين أصحاب السلطة وبين أهل البيت، والانطواء من الشيعة على أنفسهم، والانفصال بين معظم الرواة من أهل السنة وبينهم:
فرأينا عامر بن شراحبيل الشعبي (104) شيخ المحدثين في العراق وقاضي بنى مروان يقول: " ماذا لقينا من آل على إذا أحببناهم قتلنا وإن عاديناهم دخلنا النار ".