الإمام جعفر الصادق (ع) - عبد الحليم الجندي - الصفحة ١٨٠
قال حبنا أهل البيت (1).
(١) يلاحظ أن مدرسة المحدثين ضائقة الصدر بالقياس. و مدرسة المدينة، وعلى رأسها مالك، تقدح في أهل العراق لكثرة إبداء الآراء باستعمال القياس ولئن كان لنا أن نلاحظ تأثر أبي حنيفة الكامل بمنهج الإمام الصادق في الاعتبار بالآيات الدالة على الحقائق (أبو حنيفة - بطل الحرية و التسامح في الإسلام للمؤلف صفحة ١٧٨ طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) أو تأثر مالك بمنهج الإمام الصادق في عدم المجازفة بالرأي (مالك ابن أنس المؤلف صفحة ٧٦ وما بعدها طبعة دار المعارف) إننا نقطع كذلك بأثره في النهى عن القياس. فلقد نفع النهى القياسين أنفسهم فضبطوا القياس وتحروا كل الدقة فيه ليتفادوا المجازفة ثم جاء الشافعي فأصله وقعده. وهو القائل " والاجتهاد القياس ".
يقول الفخر الرازي " العجيب أن أبا حنيفة كان تعويله على القياس و خصومه يذمونه بسبب كثرة القياسات. ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنه صنف في إثبات القياس ورقة. ولا أنه ذكر في تقريره شبهة. فضلا عن حجة. ولا أنه أجاب عن دلائل خصومه في إنكار القياس بل أول من قال في هذه المسألة وأورد فيها الدلائل هو الشافعي ". فأبو حنيفة استعمل القياس والشافعي استعمله وأصله وقعد القواعد العاملين به.
ولقد أفاد الشيعة كثرة ما آل إليهم من السنة ونصوص الحديث فلم يلجأوا للقياس، كما كانت قواعدهم الأخرى كافية لبلوغ غرضهم. ومن أسباب الاقبال على القياس في العراق قلة ما سلموه من نصوص السنة. وانما اتسع فقه أحمد بن حنبل بكثرة السنن التي جمعها واعتمد أصحابه عليها - مع تعويله على أصل الصحابة فزاد مصادر الفقه أصلا بتمامه.
والقياس الذي يلجأ إليه المجتهدون من أهل السنة. هو إلحاق أمر لم يرد في حكمه نص أو إجماع بأمر ورد في حكمه نص أو اجماع لاشتراكهما في المعنى الذي شرع هذا الحكم من أجله فثمة أركان أربعة: الأصل وهو النص والفرع وهو الأمر الذي لم يرد في حكمه نص.
والمعنى: الذي من أجله شرع الحكم. والمطلوب وهو الحكم.
وهم يضعون للقياس شروطا:
1 - أن يكون حكم الأصل ثابتا بنص في الكتاب أو السنة أو الاجماع.
2 - أن يكون لحكم الأصل علة يدركها العقل. فمن الاحكام ما هو تنفيذي لا يجوز القياس فيه. كتحديد عدد الركعات. ومقدار الأنصباء في الأموال التي تجب فيها الزكاة وتحديد عدد الطواف حول الكعبة. فهذه مقدرات لا يقاس عليها لأن العقل لا يدرك علية مقاديرها.
وجميع الأحكام إلا قليلا منها، كالتي سبق، يمكن للعقل إدراك المعاني التي شرعت الأحكام لأجلها.
3 - أن يتساوى الفرع والأصل في المعنى الذي شرع حكم الأصل من أجله. وإلا كان القياس فيه مع الفارق. وأن يكون المعنى ظاهرا. لأنه معرف للحكم الخفي والخافي لا يعرف الخفي.
4 - أن لا يكون في الفرع نص أو إجماع يدل على حكم يخالف القياس.
5 - أن لا يكون حكم الأصل خصوصية من الخصوصيات كاختصاص الرسول بزواج من زدن على الأربع. واختصاص خزيمة بأن تعدل شهادته رجلين وأن لا تكون العلة قاصرة على الأصل لا يمكن تعدية حكمها إلى الفرع.
وبالقياس أمكن أهل السنة البناء على النصوص واستعمال العلل في تحقيق مقاصد الشارع.