فالحجاز والعراق قد تضامنا في إنتاج الفقه. لتتابعهما بعد ذلك شتى الحواضر، في الفسطاط ودمشق وقرطبة والقيروان، وفي المغرب وفي المشرق، وفي الأندلس، ووسط آسيا.
وظاهر من هذا التأريخ أمور:
1 - أن المذاهب الفقهية جميعا بما فيها المذاهب الباقية إلى اليوم لأهل السنة، يتصدرها في الظهور مذهب أهل البيت على يد زيد بن علي زين العابدين. وكذلك يسبق " المذهب الزيدي " مذهب الإمام جعفر الصادق، الذي تبعه الأئمة من نسله، وصار يسمى مذهب (الإمامية).
فالصادق، صار إماما بموت أبيه الباقر في العقد الثاني من المائة الثانية، ثم كانت وفاته بعد استشهاد عمه زيد سنة 121 بسبعة وعشرين عاما سنة 148.
أما أبو حنيفة فمات في سجن أبى جعفر المنصور سنة 150. وأما مالك فمات بعد أبي حنيفة بتسعة وعشرين عاما سنة 179. و الشافعي مات بعد أبي حنيفة بأربعة وخمسين عاما سنة 204. ولحق بهم ابن حنبل سنة 241.
وأصحاب المذاهب الأخرى بين معاصرين لهم أولا حقين.
2 - أن الإمام (جعفر) كما سنرى، ينهى عن استعمال القياس كمثل ما يرفضه فقهاء المدينة عموما والمحدثون خصوصا. وهم زعماء الفقه في المائة الأولى.
وسنرى بعد أن نهى " الصادق " عن القياس لا يعارض الاجتهاد، بل إنه ليأمر به، ويبلغ بمنهاجه في الاجتهاد ما يبلغه سواه.
وسنرى أن منهاجه في الاعتبار والاستخلاص هو منهج الفكر الإسلامي، نقله عنه الفكر العالمي.
3 - أن البيئة التي عاش فيها أهل البيت ستين عاما بعد مجزرة كربلاء، كانت منجبة، بظهور العلم والعلماء من الرجال والنساء.
فشاركت المرأة في العلم من عهد أمهات المؤمنين. ووجدت الفقيهات في جيل التابعين وتابعي التابعين من أهل السنة، فتصدرت نساء أهل البيت.