بالبيت، فلم يقدر أن يصل إلى الحجر الأسود لكثرة الازدحام، فنصب له منبر، فجلس عليه وهو ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان الشام، فرأى الإمام زين العابدين (ض) أحسن الناس وجها، فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحى له الناس حتى استلم.
فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هاب الناس من هيبته؟
فقال هشام: لا أعرفه. مخافة أن يرغب فيه أهل الشام.
وكان الفرزدق حاضرا فقال: أعرفه. فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟
فأنشأ:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا تبين نور الهدى من نور طلعته * كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم مشتقة من رسول الله خلقته * طابت عناصره والخلق والشيم من معشر حبهم دين وبغضهم كفر * وقربهم منجى ومعتصم لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا فلما سمعها هشام غضب وحبس الفرزدق، فأرسل إليه الإمام زين العابدين (ض) اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: مدحته لله تعالى لا للعطاء.
فقال: إنا أهل البيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده. فقبلها الفرزدق.
قال الشيخ أبو عبد الله القرظي شيخ الحرمين الشريفين: لو لم يكن لأبي فراس عند الله (عز وجل) عمل إلا هذا دخل الجنة لأنها كلمة حق عند سلطان جائر.