أن يفعل ليشد أركان حكمه، فوضع له كرسي فجلس عليه ثم قال: «الحمد لله الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته، يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، وأخرج من الشرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديما وحديثا أحسن البلاء، إن شكرتم أو كفرتم.
أيها الناس إن رب علي (عليه السلام) كان أعلم بعلي حين قبضه إليه، وقد اختصه بفضل لم تعهدوا بمثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات طال ما قلبتم له الامور حتى أعلاه الله عليكم وهو صاحبكم، وعدوكم في بدر وأخواتها، جرعكم رنقا وسقاكم علقما وأذل رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه، وأيم الله لا ترى أمة محمد خصبا ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدوا عنها حتى تهلكوا لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم، فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر من سوء رغبتكم وحيف حكمكم.
ثم قال: يا أهل الكوفة! لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على أعداء الله، نكال على فجار قريش، لم يزل آخذا بحناجرها، جاثما على أنفاسها ليس بملومة في أمر الله، ولا بالسروفة لمال الله، ولا بالفروقة في حرب أعداء الله، أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فأتبعه، لا تأخذه في الله لومة لائم، فصلوات الله عليه ورحمته».
فلما أتم الإمام (عليه السلام) خطبته ندم معاوية ندما شديدا، لأنه أراد من خطبة الحسن ما يشيد به أركان حكمه فانقلب الأمر عليه، فقال: أخطأ عجل أو كاد، وأصاب متثبت أو كاد، ماذا أردت من خطبة الحسن (1) (عليه السلام).