كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة في ما أتيت ملتبسا، ألا ترى الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه، حتى أخبره فرضي، هكذا أسخطتم علي بجهلكم وجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحدا إلا قتل» (1).
وبالجملة لما تم الصلح توجه قيس بن سعد (رحمه الله) مع أربعة آلاف كانوا معه في «مسكن» إلى النخيلة، وتوجه الإمام الحسن (عليه السلام) من المدائن إلى النخيلة أيضا، ووافاهم هناك معاوية مع جيشه وكان يوم الجمعة، فأمر معاوية أن يجتمع الناس وصعد المنبر، فقال: ما اختلف أمر أمة بعد نبيها إلا وظهر أهل باطلها على أهل حقها، فلما قال هذه المقالة ندم فاستثنى وقال «إلا هذه الأمة فإنها...».
وهكذا أراد الله تبارك وتعالى أن ينتشر ويذيع هذا الكلام على لسان رئيس الباطل والضلالة لتتم الحجة.
ولم يف معاوية بأي شرط من الشروط، ونقض عهده في ذلك المجلس وأعلن غدره، حيث أنه قال في خطبته تلك: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له، ثم سار حتى دخل الكوفة (2).
وبعد أن دخل الكوفة سأل الإمام الحسن أن يخطب الناس فامتنع، فناشده