هذه الأمة أبي وبايعوا غيره وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصب أبي يوم غدير خم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.
وقد هرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف أبي يده حين ناشدهم، واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا، وكذلك أبي وأنا في سعة من الله حين خذلتنا هذه الأمة وبايعوك يا معاوية، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوا، وإني قد بايعت هذا ﴿وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين﴾ (1) (2).
واستقرت السلطنة لمعاوية سنة إحدى وأربعين للهجرة، فتربع على عرش الملك وبقي في الكوفة عدة أيام، بايعه أهلها الخونة وضيعهم وشريفهم وسلموا عليه بإمرة المسلمين، وتنصلوا عن بيعة خليفة الله في الأرض، واتبعوا ضلالات معاوية، وكذا فعلوا بأبيه من قبل، وهم يعلمون أنه أولى بالخلافة حسبا ونسبا، وأنه ومعاوية متباينان، فكل زينة في حسب الحسن وعلو في نسبه يقابلها خلاف ذلك لمعاوية، كما قال هو نفسه (عليه السلام): «أنا شعبة من خير الشعب، آبائي أكرم العرب،