عيينة: " فكلم عمهما، أي الذي كانا في حجره، أن يبتاعه منهما "، فقال: " ما تصنع به "؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما، فأخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراده، فقالا: " نحن نعطيه "، فأعطياه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبناه. أخرجه الجندي.
وذكر ابن زبالة، ويحيى، أن أبا أيوب قال: يا رسول الله أنا أرضيهما، وذكر ابن عقبة أن أسعد عوضهما عنه نخلا، قال: وقيل: ابتاعه منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ أنهم لما قالوا: " لا نطلب ثمنه إلا من الله " سأل عمن يختص بملكه منهم، فعينوا الغلامين، فابتاعه منهما أو من وليهما إن كانا غير بالغين، وحينئذ فيحتمل أن الذين قالوا: " لا نطلب ثمنه إلا من الله تحملوا عنه للغلامين بالثمن، فقد نقل ابن عقبة أن أسعد بن زرارة عوض الغلامين عنه نخلا له في بياضة. وتقدم أن أبا أيوب قال: أنا أرضيهما، فأرضاهما، وكذلك معاذ بن عفراء، فيكون بعد الشراء. ويحتمل أن كلا من أسعد، وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشئ فنسب ذلك لكل منهم.
وقد روى أن اليتيمين امتنعا من قبول عوض، فيحتمل ذلك على بدء الأمر، ولكن قال الواقدي: إنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من بني عفراء بعشرة دنانير ذهبا دفعها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلعله رغب في الخير، فدفع العشرة مع أولئك، أو أنه صلى الله عليه وسلم أخذ أولا بعض المربد في بنائه الأول سنة قدومه، ثم أخذ بعضا آخر لما سبق أنه بناه مرتين وزاد فيه فكان الثمن من مال أبي بكر في إحداهما ومن الآخرين في الأخرى.
الرابع: ذكر السيد أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: " تقتلك الفئة الباغية ". كان في البناء الثاني، لأن البيهقي روى في الدلائل عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقال لأبيه عمرو: " قد قتلنا هذا الرجل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قال ".
قال: " أي رجل "؟ قال: " عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين "؟ فمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال " تحمل لبنيتن لبنيتن وأنت ترحض؟ أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة ". فدخل عمرو بن العاص على معاوية: فقال: " قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال " فقال معاوية:
" اسكت فوالله ما تزال تدحض (1) في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه جاؤوا به حتى ألقوه بيننا. قال السمهودي): " وهو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد، لأن إسلام عمرو بن العاص كان في السنة الخامسة للهجرة. ".