والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه (1) كأنها جمارة (2). قال: فرفعت يدي بالكتاب. ثم قلت:
يا رسول الله هذا كتابك لي وأنا سراقة بن مالك قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوم وفاء وبر أدنه)، فدنوت منه فأسلمت، ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي وقد ملأتها لابلي هل لي من أجر (في أن أسقيها)؟ قال: (نعم في كل ذات كبد حرى أجر) قال: ثم رجعت إلى قومي فشقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي (3).
وقال أبو بكر رضي الله عنه: (وتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض فقلت:
يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا. قال: (لا تحزن إن الله معنا). فلما دنا منا وكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطلب قد لحقنا وبكيت. (قال صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك؟)) قلت: (أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك). فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(ا للهم اكفناه بما شئت). قال: فساخت به فرشه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها، ثم قال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حاجة لنا في إبلك وغنمك)، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق راجعا إلى أصحابه لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم ما ههنا، ولا يلقى أحدا إلا رده، ووفى لنا.
وعند ابن سعد أن سراقة لما رجع قال لقريش: قد عرفتم بصري بالطريق وقد استبرأت لكم فلم أر شيئا، فرجعوا. وقال ابن سعد والبلاذري: عارضهم سراقة بقديد يوم الثلاثاء.
وروى ابن عساكر عن ابن إسحاق قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه - فيما يذكرون والله أعلم في دخوله الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسيرهم وفي طلب سراقة إياهم:
قال النبي ولم يجزع يوقرني * ونحن في شدة من ظلمة الغار لا تخش شيئا فإن الله ثالثنا * وقد توكل لي منه بإظهار وإنما كيد من تخشى بوادره * كيد الشياطين كادته لكفار والله مهلكهم طرا بما كسبوا * وجاعل المنتهى منها إلى النار