فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: (ما تنتظرون ههنا)؟ قالوا: (محمدا). قال: (خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم)؟ قال: (فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب)، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه بردة. فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا. فقام علي رضي الله عنه من الفراش.
فقالوا: (والله لقد صدقنا الذي كان حدثناه). وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور.
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه). وكان المشركون يرجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يرمون عليا ويرونه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل علي يتوضأ فإذا هو علي، فقالوا: إنك للئيم، إنك لتتضور (1) وكان صاحبك لا يتضور وقد استنكرناه منك.
وروى الحاكم عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي، وقال في ذلك شعرا:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر رسول إله خاف أن يمكروا به * فنجاه ذو الطول الاله من المكر وبات رسول الله في الغار آمنا * موقى وفي حفظ الاله وفي ستر وبت أراعيهم وما يتهمونني * وقد وطنت نفسي على القتل والأسر قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) بالوثاق والحبس والاثخان أبا لجرح (أو يقتلوك) بسيوفهم (أو يخرجوك) - من مكة - (ويمكرون) - يحتالون في أمرك - (ويمكر الله) - يجازيهم جزاء مكرهم فسمى الجزاء مكرا لأنه في مقابلته، والمعنى أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى منعه منهم وأظهره وقواه ونصره فضاع فعلهم وظهر فعل الله عز وجل - (والله خير الماكرين) (الأنفال: 30) - لان مكره حق، وإتيان هذا مما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقه ابتداء لما فيه من إيهام الذم، وهذه السورة مدنية، وهذه الواقعة كانت بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة. وقد ذكر الله تعالى النبيه محمدا صلى الله عليه وسلم نعمته عليه.
قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى في ذلك (فذكر) - أي دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنهم لقومهم لك كاهن مجنون (فما أنت بنعمة ربك كاهن) - جزما - (ولا مجنون) معطوف عليه - (أم) - بل - (يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) - أي حوادث