قال ابن أبي جمرة: (وإنما كان إبراهيم في السماء السابعة لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقائه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى) (1).
وقال ابن دحية: (مناسبة لقائه لإبراهيم عليه السلام في السماء السابعة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، ودخل مكة وأصحابه ملبين معتمرين محييا لسنة إبراهيم ومقيما لرسمه الذي كانت الجاهلية أماتت ذكره وبدلت أمره. وفي بعض الطرق أنه رأى إبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة، وذلك - والله أعلم - إشارة إلى أنه يطوف بالكعبة في السنة السابعة وهي أول دخلة دخل فيها مكة بعد الهجرة. والكعبة في الأرض قبالة البيت المعمور. وفي قوله صلى الله عليه وسلم في وصف البيت المعمور: (فإذا هو يدخله كل يوم سبعون / ألفا لا يرجعون إليه إلى آخر الدهر إشارة إلى أنه إذا دخل البيت ا لحرام لا يرجع إليه لأنه لم يدخله بعد الهجرة إلا عام الفتح ولم يعاوده في حجة الوداع.
التنبيه الخمسون: فإن قيل كيف أم الأنبياء في بيت ا لمقدس وسلم عليهم وعرفهم ثم سأل عنهم ثم يراهم تلك الليلة في السماوات ويسأل عنهم جبريل؟ فإنه لو رآهم وعرفهم لما احتاج إلى سؤال جبريل عنهم. والجواب أنه لما اجتمع بهم ببيت المقدس وأمهم على الهيئة البشرية تحقق وجودهم في الأرض، ثم لما وصل إلى الملكوت العلوي لم يجدهم على تلك الحالة التي شاهدهم عليها، وإنما هم على صفات روحانية يشكل الله تعالى لهم أشكالا لائقة بالملكوت العلوي تأنيسا لهم بأصلهم البشري وتكريما لهم وتعظيما للقدرة الإلهية حيث شاهدهم تلك الساعة في الأرض ثم رآهم في منازلهم في السماء، فلذلك سأل عنهم استثباتا لا تعجبا، فإنه عالم أن الله تعالى الذي أصعده إلى هذا المكان في لحظة قادر على نقلهم إلى السماوات في أسرع من طرفة عين سبحانه وتعالى.
التنبيه الحادي والخمسون: استشكل رؤية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في السماوات مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم في الأرض. وأجيب بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفا وتكريما ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عند البيهقي وغيره: (وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء).
وقال ابن أبي جمرة: (رؤيته لهؤلاء الأنبياء تحتمل وجوها: الأول: أن يكون عليه السلام عاين كل واحد منهم في قبره في الأرض على الصورة التي أخبر بها عن الموضع الذي عاينه فيه فيكون الله عز وجل قد أعطاه من القوة في البصر والبصيرة ما أدرك به ذلك. ويشهد لهذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت الجنة والنار في عرض الحائط). وهو محتمل لوجهين أحدهما: أن