الثامن، وقد غشى السدرة الجراد والفراش والغربان الذي هو جند من جند الله كما غشى مكة في الفتح جند الله وحزبه وغشيها أيضا أجناس من الخلق وألوان من الأسود والأحمر. وجاء اللفظان معا في الحديث، كما غشى سدرة المنتهى ألوان لا يعلمها إلا الله تعالى: فلما غشيت الألوان السدرة حسنت إلى أن لا يحسن أحد أن ينعتها لفرط الحسن. كما أن ألوان الخلق لما غشيت مكة يوم الفتح حسنت حينئذ بالايمان وبأهل القرآن حتى لا يحسن أحد أن يصف حالها حينئذ من عظم الشأن.
ثم كان ظهور الأنهار الأربعة حينئذ دليلا على أن تلك الأمة ستبلغها ويحققه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها) (1).
التنبيه الخامس والخمسون: وقع في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند مسلم أن السدرة في السماء السادسة وظاهر حديث أنس رضي الله عنها أنها في السابعة، قال القرطبي:
(وهذا تعارض لا شك فيه). وحديث أنس قول الأكثرين وهو الذي يقتضيه وصفها بكونها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب، (ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع وحديث ابن مسعود بأنه موقوف). قال الحافظ: (كذا قال ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض ولا يعارض قوله إنها في السادسة ما دلت عليه بقية الاخبار أنه وصل إليها بعد أن دخل في السماء السابعة لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة وأغصانها وفروعها في السابعة وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها، والله أعلم.
التنبيه السادس والخمسون: قال ابن أبي جمرة: (والأظهر أن شجرة المنتهى مفروشة بأرض بدليل قوله: (ونهران باطنان) ولا يطلق هذا اللفظ وما أشبهه إلا على ما يفهم، والباطن لا بد أن يكون سريانه تحت شئ، وحينئذ يطلق عليه اسم الباطن.
التنبيه السابع والخمسون: قال القاضي رحمه الله: دل الحديث على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض لكونه قال: (إن النيل والفرات يخرجان من أصلها)، وهما بالمشاهدة يخرجان من الأرض، فيلزم فيه أن يكون أصل السدرة في الأرض. وتعقبه النووي بأن المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض، والحاصل أن أصلهما من الجنة وهما يخرجان أولا من أصل السدرة إلى أن يستقرا في الأرض ثم ينبعان.
التنبيه الثامن والخمسون: قال ابن أبي جمرة رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران)، هذا اللفظ يحتمل أن يكون على الحقيقة، ويحتمل أن