أزهد وعلى الشدائد أصبر. فقد قيل: حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء وبؤس نعمة تؤدي بصاحبها إلى البلاء. ويحتمل أن الله تعالى أراد ألا يكون لاحد كرامة إلا ولمحمد مثلها، ولما كان لإدريس كرامة دخول الجنة قبل يوم القيامة أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون (ذلك) أيضا لصفيه ونجيه محمد صلى الله عليه وسلم).
التنبيه الخامس والسبعون: قال ابن دحية: (إنما عرضت عليه النار ليكون آمنا يوم القيامة، فإذا قال سائر الأنبياء: نفسي نفسي فنبينا يقول: (أمتي أمتي، وذلك حين تسجر جهنم، ولذلك أمن الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: (يوم لا يخزي الله النبي) (التحريم: 8) والحكمة في ذلك أن يفزع إلى شفاعة أمته، ولو لم يؤمنه لكان مشغولا بنفسه كغيره من الأنبياء، لانهم لم يروا قبل يوم القيامة شيئا منها، فإذا رأوا جزعوا وكفت ألسنتهم عن الخطبة والشفاعة من هولها وشغلتهم أنفسهم عن أممهم، وهو صلى الله عليه وسلم قد رآها قبل ذلك فلا يفزع منها مثل ما فزعوا فيقدر على الخطبة وهو المقام المحمود، لان الكفار لما كانوا يكذبونه ويستهزئون ويؤذونه أشد الأذى أراه الله سبحانه وتعالى النار التي أعدها للمستخفين به تطييبا لقلبه وتسكينا لفؤاده وللإشارة إلى أن من طيب قلبه بإهانة أعدائه والانتقام منهم فأولى أن يطيبه في أوليائه بالشفاعة والاكرام، وليعلم منة الله عليه حين أنقذهم منها ببركته وشفاعته.
التنبيه السادس والسبعون: لم ير مالكا في صورته التي يراه عليها المعذبون في الآخرة، ولو رآه على تلك الصورة لما استطاع أن ينظر إليه.
التنبيه السابع والسبعون: قال الطيبي: (إنما بدأ مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالسلام ليزيل ما استشعر من الخوف منه بخلاف سلامه على الأنبياء ابتداء).
التنبيه الثامن والسبعون: ذكر صلى الله عليه وسلم أنه لم يلقه ملك من الملائكة إلا ضاحكا مستبشرا إلا مالكا خازن النار، وذلك أنه لم يضحك لاحد قبله، ولا هو ضاحك لاحد بعده. قال الله تعالى (عليها ملائكة غلاظ شداد) (التحريم: 6) وهو موكلون بغضب الله تعالى، فالغضب لا يزايلهم أبدا.
وفي هذا الحديث معارضة لما رواه الإمام أحمد وأبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: (مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟) قال: (ما ضحك منذ خلقت النار) (1). وهذا الحديث يعارضه ما رواه الدارقطني وغيره أن رسول الله تبسم في الصلاة، فسئل عن ذلك فقال: (رأيت ميكائيل راجعا في طلب القوم وعلى جناحيه الغبار، فضحك إلي، فتبسمت إليه) قال السهيلي: (وإذا صح الحديثان فوجه الجمع بينهما أن يكون لم