فأنزل الله فيهم أول سورة (ص).
فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شحطا. فلما قالها طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فجعل يقول: أي عم فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك قال: لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها.
وذكر ابن الكلبي أن أبا طالب لما حضرته الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال:
يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم بذلك على الناس الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش وثباتا للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيها هلكت القرون قبلكم، أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيها شرف الحياة والممات، عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام، وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل البر في الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعافها أربابا وأعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها وأصفت له فؤادها وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم كونوا له ولاة، ولحربه حماة، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكفيت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي.
ثم إن أبا طالب مات بعد ذلك.
وروى الشيخان عن المسيب بن حزن رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طاب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد - وفي لفظ: أحاج - لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان لتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول:
لا إله إلا الله بعد ذلك: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) [التوبة 113] ونزل في أبي