وقال الطيبي: وهذا التشبيه من التشبيهات المفرقة، شبه ذاته صلى الله عليه وسلم بالرجل، وما بعثه الله تعالى به من إنذار القوم بعذاب الله القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في إنذاره وصدقه.
وفي قول الرجل: أنا النذير العريان الخ أنواع من التأكيد: أحدها: (بعيني) لأن الرؤية لا تكون إلا بها. وثانيها: قوله: (إني) و (أنا) وثالثها: (العريان) فأنه دال على بلوغ النهاية في قرب العدو. وفي ذلك تنبيه على أنه الذي يختص في إنذاره بالصدق والذي لا شبهة فيه، وهو الذي يحرص جدا على خلاص قومه من الهلاك.
وقال في الفرقة الأولى: (فأطاعني) وقابله في الثانية ب (كذب) ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق، ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان، كأنه جمع في كل من الفرقتين بين المعنيين. وإلى المعنيين أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني) إلى آخره. وأتبع قوله: (اجتاحهم) قوله (أهلكهم) إعلاما بأنه أهلكهم عن آخرهم فلم يبق أحد.
الجيش - بجيم فمثناة تحتية فشين معجمة.
بعيني: روى بالافرار وبالتثنية.
النجاء النجاء - بالمد فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية، وبالقصر فيهما تخفيفا، نصبا على المصدر إي انجوا النجاء أو على الإغراء أي اطلبوا النجاذ تسرعوا الهرب.
أدلجوا: بهمزة فسكون أي ساروا أول الليل كله على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة.
مهلهم - بفتحتين - والمراد به الهينة والسكون. وبفتح أوله وسكون ثانيه: الإمهال وليس مرادا هنا.
الطائفة هنا: الفرقة.
صبحهم: أتاهم صباحا هذا أصله، ثم كثر استعماله حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان.
اجتاحهم: بجيم فمثناة فوقية فألف فحاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشئ أجوحه إذا استأصلته والاسم الجائحة وهي الهلاك، وأطلقت لأنها مهلكة.
الثالث: في بعض فوائد الحديث الثالث:
قال القاضي ناصر الدين البيضاوي من شرح المصابيح رحمه الله تعالى: هذا الحديث يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون حكاية سمعها جابر من النبي صلى الله عليه وسلم فحكاها. وثانيهما: أن يكون إخبارا بما شاهده هو نفسه وانكشف له.
وقول بعض الملائكة: (إن العين نائمة والقلب يقظان) مناظرة جرت بيانا وتحقيقا لما أن النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بضعف الحواس واستراحة الأبدان.