الصفة بحرف الجمع وكأن معناه: إن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات أعد الله لهم.
وأيضا أن أصل التمثيل مركب من أمرين: الهدى والعلم لتغايرهما في الاعتدال، ويعضده مراعاة معنى التقابل بين الكلامين من إثبات الكلأ وإمساك الماء في إحداهما ونفيهما في الآخر على سبيل الحصر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما هي قيعان) ثم تعقيبهما بالتفصيل في قوله:
(فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه) إلى آخر الحديث لأنه ذكر المثل فيه مرتين.
ويؤيده ما ذكر النووي أن رعوا بالراء من الرعي. هكذا هو في جميع نسخ مسلم. ووفع في البخاري: (وزرعوا) وكلاهما صحيح. وإنما قلنا هذه الرواية تؤيد ما ذكرنا لأن في الكلام حينئذ لفا ونشرا فإن (رعوا) مناسب لأنبتت الكلأ و (فشربوا وسقوا) للأجادب وأمسكت الماء.
فيكون الضمير في نفع الله بها ل (أرض) (1) ومعنى كليهما صحيح، لأن زرعوا متعلق بالأول لا بالأجادب فإنه لا تكفي الشرب والسقي فضلا عن الزرع.
فعلى هذا يكون قد ذكر في الحديث الطرفان: الغالي في الاهتداء والغالي في الضلال، فعبر عمن قبل هدى الله والعلم بقوله: (فقه في الدين) إلى آخره. وكنى عمن أبى قبولهما بقوله (لم يرفع بذلك رأسا) وبقوله ولم يقبل هدى الله لأن الثاني عطف تفسيري للأول، وترك الوسط وهو قسمان: أحدهما: الذي ينتفع بالعلم في نفسه فحسب، والثاني: الذي لم ينتفع هو بنفسه ولكن نفع الغير.
وفي الحديث أشعار بأن الاستعدادات ليست بمكتسبة، بل هي مواهب ربانية يختص بها من يشاء، وكمالها أن يفيض الله تعالى عليها من المشكاة النبوية، فإذا وجد من يشتغل بغير الكتاب والسنة وما والاهما علم أنه تعالى لم يرد به خيرا، فلا يعبأ باستعداده الظاهر، وأن الفقيه هو الذي علم وعلم وعمل وفاقد أحدها فاقد هذا الاسم، وأن العالم العامل ينبغي أن يفيد الناس بعلمه كما يفيدهم بعمله، ولو أفاد بالعمل فحسب لم يحظ منه بطائل كأرض معشبة لا ماء فيها فلا يمرى مرعاها ولو اقتصر على القول لأشبه السقي مجردا عن الرعي، فيشبه أخذه المستسقي، ولو منعهما معا كان كأرض ذات ماء وعشب حماها بعض الظلمة عن مستحقيها كما قال القائل:
ومن منح الجهال علما أضاعه * ومن منع المستوجبين فقد ظلم الطائفة، هنا: القطعة من الأرض.
قبلت: بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول.