وأجيب بأنهما لو كانا مترادفين لم يحسن تكرارهما في بليغ. وفي الآية إضمار تقديره: وما أرسلنا من رسول ولا نبأنا من نبي كما في قوله:
ورأيت روحك في الوغى * متقلدا سيفا ورمحا أي وحاملا رمحا.
وقال الآمدي (1) رحمه الله تعالى - بعد حكايته مذهب الفلسفة في النبوة، وقول من قال إن النبي من علم كونه نبيا وقول من قال: إن النبوة سفارة بين الحق والخلق وتزييف كل منها - والحق ما ذهب إليه أهل الحق من الأشاعرة وغيرهم من أن النبوة ليست راجعة إلى ذاتي من ذاتيات النبي ولا إلى عرض من أعراضه المكتسبة له، بل هي موهبة من الله تعالى ونعمة منه عليه يجعله متأهلا للرسالة، وحاصلها يرجع إلى قول الله تعالى لمن اصطفاه من عباده: أرسلتك أو بعثتك فبلغ عني. انتهى.
فعلم بذلك: أن النبوة والرسالة من الصفات الاعتبارية كالولاية للولي والإمامة للسلطان ونحو ذلك، لأن القول لا يوجب لمتعلقه صفة كما صرح به القاضي عضد الدين.
تنبيهات الأول: لا يلزم من كون الرسالة قول الله: أرسلتك. إن تكون قديمة ضرورة قدم الكلام الرباني، لأن الرسالة ليست الكلام القديم فقط، بل الكلام القديم بصفة كونه متعلقا بالمخاطب، والتعلق والمتعلق - بفتح اللام - حادث غير قديم.
الثاني: روى الحاكم أن رجلا قال: يا نبئ الله - أي بالهمز - فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(لست نبئ الله ولكني نبي الله) (2) قال الذهبي: إنه حديث منكر وفي سنده حمدان بن أعين وليس بثقة، وعلى تقدير صحته فأجيب عنه بأن أبا زيد حكى: نبأت من أرض إلى أرض أخرى، أي خرجت منها إليها، فإذا قال: يا نبئ الله احتمل أن يريد يا طريد الله الذي أخرجه من بلدة إلى غيرها فنهاه عن ندائه بلفظ النبئ مهموزا. ونظيرا نهى المؤمنين عن قولهم له (راعنا) لأن اليهود جدوا بذلك طريقا إلى سبه.