مسعود، وابن جرير من طريق عطية العوفي، والطبراني من طريق عكرمة، كلاهما عن ابن عباس وابن مردويه عن بريدة قال: وفيه أن قبرها بمكة.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فأما حديث ابن مسعود وإن صححه الحاكم فقد تعقبه الذهبي في مختصره فقال: في سنده أيوب بن هانئ ضعفه ابن معين. فهذه علة تقدح في صحته. وله علة ثانية وهي مخالفته لما في صحيح البخاري وغيره أن هذه الآية نزلت بمكة عقب موت أبي طالب واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم له كما سيأتي في باب موت أبي طالب. وأما حديث ابن عباس فله علتان: مخالفته للحديث الصحيح كما سبق وضعف إسناده. وأما حديث بريدة فله علتان: إحداهما المخالفة في سبب نزول الآية. والثانية: قال ابن سعد بعد تخريجه:
هذا غلط وليس قبرها بمكة وقبرها بالأبواء.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وأصح هذه الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه في ألفي مقنع فما رئي أكثر باكيا من ذلك اليوم. رواه الحاكم وصححه عن [بريدة]. وهذا القدر لا علة له، وليس فيه مخالفة لشئ من الأحاديث ولا نهي عن الاستغفار، وقد يكون البكاء لمجرد الرقة التي تحصل عند زيارة الموتى من غير سبب تعذيب ونحو.
ثم قال الشيخ: وقد ظفرت بأثر يدل على أنها ماتت وهي موحدة. فذكر أثر أم سماعة - بنت أبي رهم عن أمها - السابق ثم قال: فهذا القول من أم النبي صلى الله عليه وسلم صريح في أنها موحدة إذ ذكرت دين إبراهيم وبعث ابنها صلى الله عليه وسلم بالإسلام من عند ذي الجلال والإكرام ونهيه عن عبادة الأصنام وموالاتها مع الأقوام وهل التوحيد شئ غير هذا؟ التوحيد الاعتراف بالله وإلهيته وإنه لا شريك له والبراءة من عبادة الأصنام ونحوها. وهذا القدر كاف في التبري من الكفر وصفة ثبوت التوحيد في الجاهلية قبل البعثة. وقد قال العلماء في حديث الذي أمر بنيه عند موته أن يحرقوه ويسحقوه ويذروه في الريح وقوله: (إن قدر الله علي) إن هذه الكلمة لا تنافي الحكم بإيمانه لأنه لم يشك في القدرة ولكن جهل فظن أنه إذا فعل ذلك لا يعاد. ولا يظن بكل من كان في الجاهلية أنه كان كافرا، فقد كان جماعة تحنفوا وتركوا ما كان عليه أهل الشرك وتمسكوا بدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد، كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل، فكلهم محكوم بإيمانه في الحديث ومشهود له بالجنة، فلا بدع أن تكون أم النبي صلى الله عليه وسلم منهم، كيف وأكثر من تحنف إنما كان سبب تحنفه ما سمعه من أهل الكتاب قرب زمنه صلى الله عليه وسلم من أنه قرب بعث نبي من الحرم صفته كذا، وأم النبي صلى الله عليه وسلم سمعت من ذلك أكثر مما سمعه غيرها، وشاهدت في حمله وولادته من آياته الباهرة ما يحمل على التحنف ضرورة، ورأت النور الذي خرج منها أضاءت له قصور الشام حتى رأتها كما ترى أمهات النبيين صلى الله عليهم