تفرد بهذا الحديث أبو غزية وتفرد عنه الكعبي بذكر مالك في إسناده. قال الدارقطني:
هذا كذب على مالك على مالك والحمل فيه على أبي غزية والمتهم بوضعه هو أو من حدث به عنه.
وهذا الحديث قد حكم بوضعه الحافظ أبو الفضل بن ناسر والجوزقاني وابن الجوزي والذهبي وأقره الحافظ في اللسان، وحكم بوضعه جماعة سبق ذكرهم في ترجمة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم. وجعله ابن شاهين ومن تبعه ناسخا لأحاديث النهي عن الاستغفار.
قلت: وهذا غير جيد لأن أحاديث النهي عن الاستغفار لهما بعض طرقها صحيح. رواه مسلم وابن حبان في صحيحيهما وهذا الحديث على تسليم ضعفه لا يكون ناسخا للأحاديث الصحيحة والله تعالى أعلم.
قال أبو الخطاب بن دحية: الحديث في إحياء أبيه وأمه موضوع يرده القرآن والإجماع قال تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفار) [النساء 18] وقال: (فيمت وهو كافر) [البقرة 217] فمن مات وهو كافر لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه، فكيف بعد الإعادة؟ وفي التفسير أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ليت شعري ما فعل أبواي (1)؟).
فنزلت (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) [البقرة 119].
قلت: لو اقتصر أبو الخطاب على الحكم بوضع الحديث فقط وسكت عما ذكره لكان جيدا وتأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم - في حق أبويه. وقد تعقبه القرطبي فقال: وفيما ذكره ابن دحية نظر. وذلك أن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه لم تزل تتوالى وتتتابع إلى حين مماته فيكون هذا مما فضله تعالى وأكرمه به، وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنعا عقلا ولا شرعا، فقد ورد في الكتاب العزيز إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى صلى الله عليه وسلم يحيي الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى. وإذا ثبت هذا فما يمتنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته وفضيلته مع ما ورد من الخبر في ذلك ويكون مخصوصا ممن مات كافرا.
وقوله: (فمن مات كافرا) إلى آخر كلامه مردود بما في الخبر أن الله رد الشمس على نبيه صلى الله عليه وسلم بعد مغيبها حتى صلى علي العصر. ذكره الطحاوي وقال إنه حديث ثابت. فلو لم