أجمعين وقالت لحليمة حين جاءت به وقد شق صدره وهي مذعورة: أخشيتما عليه الشيطان؟
كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن. في كلمات أخرى من هذا النمط، وقدمت به المدينة عام وفاتها وسمعت كلام اليهود فيه وشهادتهم له بالنبوة ورجعت به فماتت في الطريق. فهذا كله مما يؤيد أنها تحنفت في حياتها.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فإن قلت كيف قررت أنها كانت موحدة في حياتها ومتحنفة وقد صح أنه استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له. وقوله في الحديث (أمي مع أمكما) يؤذن بخلاف ذلك وهبك أجبت عنها فيما يتعلق بحديث الإحياء بأنهما متقدمان في التاريخ وذاك متأخر فكان نا سخا، فما تقول في هذا؟ فإن الموت على التوحيد ينفي التعذيب البتة؟.
قلت: أما حديث: (أمي مع أمكما) وإن صححه الحاكم، فقد تقرر في علوم الحديث أن الحاكم يتساهل في التصحيح. وقال الذهبي بعد قول الحاكم في هذا الحديث: إنه صحيح: قلت: لا والله فإن عثمان بن عمير ضعفه الدارقطني. فبين الذهبي ضعف الحديث وحلف عليه يمينا. وعلى تقدير أن يكون صحيحا فأحسن ما يقرر به الجواب أن يقال: إن قوله (أمي مع أمكما) صدر قبل أن يوحى إليه أنها من أهل الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا أدري تبعا كان نبيا أم لا) (1) رواه الحاكم وابن شاهين من حديث أبي هريرة. وقال صلى الله عليه وسلم بعد أن أوحى إليه في شأنه: (لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم) (2) رواه ابن شاهين في نسخه من حديث سهل ابن سعد وابن عباس. وكأنه صلى الله عليه وسلم أو لا لم يوح إليه في شأنها شئ ولم يبلغه الذي قالته عند موتها ولا تذكره فإنه كان إذ ذاك ابن خمس سنين، فأطلق القول بأنها مع أمهما جريا على قاعدة أهل الجاهلية، ثم أوحى إليه في أمرها بعد ذلك.
ويؤيد ذلك أن في آخر الحديث نفسه (ما سألتهما ربي) فهذا يدل على أنه لم يكن بعد وقعت بينه وبين ربه مراجعة في أمرها ثم وقع بعد ذلك. وأما عدم الإذن في الاستغفار فلا يلزم منه الكفر بدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان ممنوعا في أول الإسلام من الصلاة على من عليه دين لم يترك وفاء ومن الاستغفار له وهو من المسلمين. وعلل ذلك بأن استغفاره مجاب على الفور، فمن استغفر له وصل عقب دعائه إلى منزله الكريم في الجنة والمديون محبوس عن مقامه حتى يقضى دينه كما ورد في الحديث (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى) فقد تكون أم