ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانت بالأبواء توفيت أمه آمنة بنت وهب، فقبرها هناك فرجعت به أم أيمن إلى مكة وكانت تحضنه.
وروى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه مثله وزاد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنظر إلي رجل من اليهود يختلف ينظر إلي فقال: يا غلام ما اسمك؟ قلت:
أحمد، ونظر إلى ظهري فأسمعه يقول: هذا نبي هذه الأمة، ثم راح إلى أخوالي فأخبرهم فأخبروا أمي فخافت علي فخرجنا من المدينة. وكانت أم أيمن تحدث تقول: أتاني رجلان من يهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا أخرجي لنا أحمد. فأخرجته فنظر إليه وقبلاه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم. قالت أم أيمن: ووعيت ذلك كله من كلامهما.
وروى أبو نعيم عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها قالت: شهدت آمنة بنت وهب في علتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت:
بارك فيك الله من غلام * يا ابن الذي من حومة الحمام نجا بعون الملك المنعام * فودي غداة الضرب بالسهام بمائة من إبل سوام * إن صح ما أبصرت في منامي فأنت مبعوث إلى الأنام * من عند ذي الجلال والإكرام تبعث في الحل وفي الحرام * تبعث بالتحقيق والإسلام دين أبيك البر إبراهام * تبعث بالتخفيف والإسلام أن لا تواليها مع الأقوام * فالله أنهاك عن الأصنام ثم قالت: كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكري باق وقد تركت خيرا وولدت طهرا. ثم ماتت وكنا نسمع نوح الجن عليها فحفظنا من ذلك:
نبكي الفتاة البرة الأمينة * ذات الجمال العفة الرزينة زوجة عبد الله والقرينة * أم نبي الله ذي السكينة وصاحب المنبر بالمدينة * صارت لدى حفرتها رهينه لو فوديت لفوديت ثمينه * وللمنايا شفرة سنينه لا تبقي ظعانا ولا ظعينة * إلا أتت وقطعت وتينه أما هلكت أيها الحزينة * عن الذي ذو العرش يعلي دينه فكلنا والهة حزينه * نبكيك للعطلة أو للزينة وللضعيفات وللمسكينة