رهونهم فهم يعضون الأيدي حسرة وندامة على [ما] جمعوا (1) وأسفوا على ما فرطوا، وزهدوا فيما كانوا فيه راغبين [فتمنوا أن] الذي كانوا يغبطون به ويحسدون عليه لم يكن (2).
ثم لم يزل الموت بالمرء يزيده ويبالغ في جسده حتى خالط سمعه فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، ولا يسمع بسمعه، ويردد طرفه في النظر في وجه أهله وأحبابه، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع كلامهم، وما زال الموت يزيده حتى خال عقله وصار لا يعقل بعقله ولا يسمع بسمعه ولا ينطق بلسانه، ثم زاده الموت حتى خالط بصره فذهبت من الدنيا معرفته، وهملت عند ذلك حجته (3) فاجتمعت عليه خلتان:
سكرة الموت وحسر الفوت، فما زال كذلك حتى بلغت الروح الحلقوم، ثم زاده الموت حتى خرج الروح من جسده (4) فصار جيفة بين أهله، قد أوحشوا من جانبه [ وتباعدوا من قربه] لا يسعد باكيا ولا يجيب داعيا (5) ثم أخذوا في غسله فنزعوا عنه ثياب أهل الدنيا ثم كفنوه فلم يوزروه (6) ثم ألبسوه قميصا لم يكفؤوا عليه أسفله ولم يزروه (7) ثم حملوه حتى أتوا به قبره فأدخلوه ثم انصرفوا عنه، وخلوه بمفظعات الأمور (8) مع ظلمة القبر وضيقه ووحشته، فذلك مثواه حتى يبلى جسده ويصير رفاتا ورميما، حتى إذا بلغ الامر إلى مقاديره وألق آخر الخلق بأوله، وجاء من الله وأمره ما يريد [ه] من أعادته وتجديد خلقه أمر بصوت من سماواته، أما السماوات ففتقها وفطرها (9) وأفزع من فيها، وبقي ملائكتها قائمة