فهل سمعتم بمثل هذا الثواب والعقاب؟ ما للناس من هول نام طالبه وأدركه هاربه أو سها عن ذكره؟ أو تشاغل عنه بغيره؟ تشاغل أهل الدنيا بدنياهم وتشاغل أهل الآخرة بأخراهم.
فأما أهل الدنيا فأتعبوا أبدانهم ودنسوا أعراضهم وخرجوا [عن] ديارهم في طاعة مخلوق مثلهم، تعبدوا له وطلبوا ما في يده وأذعنوا له ووطؤا عقبه، فصار أحدهم يرجو عبدا مثله، لا يرجو الله وحده.
وأما صاحب الطاعة (1) فاتبع أثر نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم وسلك مناهجه وكان له فيه أسوة حسنة، استن بسنته حين حقر الدنيا وصغرها، فقد كان يركب الحمار ويردف خلفه، وأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويجيب المملوك، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويكره الستر على بابه فيه التصاوير، ويقول: يا عائشة أخرجيه عني!!! فمن استن بسنته واقتص أثره (2) وإلا فلا يأمنن هلكته.
الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه [وآله] وسلم أرسله رحمة وحجة؟
فجلت ووصلت إلينا نعمه بنعمة أسبغها علينا، فبلغ رسالات ربه وناصح لامته منذرا وداعيا، فما أعظم النعمة علينا بمحمد صلى الله عليه [وآله] وسلم / 57 / وبه هدانا الله من الضلالة، واستنقذنا به من جمر [ا] ت النار (3) وبصرنا به من العمى وعلمنا به بعد الجهالة وأعزنا به في خلتنا (4) وكثرنا به في قلتنا (5) ورفع به خسيسنا ونحن بعد نرجو شفاعته، والله أوجب حقه علينا فرنا بالصلاة، فصلوا عليه، صلى الله عليه [وآله] وسلم.
فلما فرغ من الصلوات قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد عظمت الله فلم تأل في تعظيمه، وحمدته فلم تأل في تحميده، وحثثت الأمة وزهدت ورغبت (6). فقال علي [عليه السلام]: نحن أصحاب رايات بدر، لا ينصرنا إلا مؤمن ولا