الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٤٠٨
بيتونا فرددناهم فركبونا فثار الناس وثبت القتال، فقال علي (عليه السلام): قد علمت أن طلحة والزبير غير منتهين حتى يسفكا الدماء وإنهما لم يطاوعا. والسبأية لا تفتر عن القتال وقد وضع الناس السيف في بعضهم بعضا (1)، فأقبل كعب بن سور على عائشة فقال لها: أركبي وقد أبى الناس إلا القتال فأركبوها هودجا وألبسوا هودجها الأدراع وشدوا على جملها " عسكرا " وأبرزوه للناس " (2).
ثم إن عليا (عليه السلام) نادى في معسكره: أيها الناس أنشدكم الله أن لا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تستحلوا سبيا، ولا تأخذوا سلاحا ولا متاعا (3). ثم إنه (عليه السلام)

(١) انظر تاريخ الطبري: ٣ / ٥١٧ - ٥٢٢ ولكن سبق وأن فندنا أسطورة السبأية وبينا كيف نشأ القتال ودور مروان وأصحابه.
(٢) تقدمت ترجمته واستخراج هذا القول أيضا. انظر الفتوح لابن أعثم: ١ / ٤٧٣، و: ٤٨٥، وتاريخ الطبري: ٣ / ٥١٨.
(٣) انظر الطبري في تاريخه: ٣ / ٥١٨ و ٥٤٥ تحت عنوان " سيرة علي فيمن قاتل يوم الجمل ": أن لا يقتل مدبرا ولا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا....
وهاهو مروان يقول للإمام علي بن الحسين (عليه السلام): ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه: لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح. (السنن الكبرى للبيهقي: ٨ / ١٨١).
ولسنا بصدد بيان كل ما جاء عنه (عليه السلام) في وصاياه وخطبه لأصحابه يوم الجمل وكذلك يوم صفين وغيرهما لأن سيرته (عليه السلام) مع معارضيه واضحة جدا لا غبار عليها، ولم يبدأ الحرب حتى يبدأوه بالقتال، وحين ينتصر يعفو عنهم وعن أموالهم. وهاهي عائشة تسير بعد الجمل معززة مكرمة إلى المدينة ويصفه ابن أبي الحديد في شرحه: ١٠ / ٢٢٨ فيقول: كان علي (عليه السلام) لا يستعمل في حربه إلا ما وافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة... ثم قال: وعلي (عليه السلام) يقول: لا تبدأوهم بقتال حتى يبدأوكم، ولا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا.
وقال القاضي أبو يوسف في كتابه الخراج: ٢١٥: إن الصحيح عندنا من الأخبار عن علي (عليه السلام) أنه لم يقاتل قوما قط من أهل القبلة ممن خالفه حتى يدعوهم، وإنه لم يتعرض بعد قتالهم وظهوره عليهم لشيء من مواريثهم ولا لنسائهم ولا لذراريهم، ولم يقتل منهم أسيرا، ولم يذفف منهم على جريح، ولم يتبع منهم مدبرا.
وجاء مثل هذا في كتاب أصول الدين لأبي منصور التميمي البغدادي: ٢٨٤ نقلا عن الإحقاق:
٨ / ٥٥٠، والسنن الكبرى للبيهقي: ٨ / ١٨١، والطبري في تاريخه: ٣ / ٥٤٥ كما ذكرنا سابقا بإضافة فقال قوم يومئذ: ما يحل لنا دماءهم، ويحرم علينا أموالهم؟ فقال (عليه السلام): القوم أمثالكم، من صفح عنا فهو منا ونحن منه، ومن لج حتى يصاب فقتاله مني على الصدر والنحر، وأن لكم في خمسه لغنى.
وقال جورج جرداق في كتابه الإمام علي صوت العدالة الإنسانية: ١ / ٨٢: ومروءة الإمام أندر من أن يكون لها مثل في التاريخ، وحوادث المروءة في سيرته أكثر من أن تعد، ومنها: أنه أبى على جنده أن يقتلوا عدوا تراجع، وأن يتركوا عدوا جريحا فلا يسعفوه، كما أبى عليهم أن يكشفوا سترا أو أن يأخذوا مالا.
ومنها: أنه صلى في وقعة الجمل على القتلى من أعدائه وسأل لهم الغفران.... (انظر مستدرك الوسائل:
٢
/ 251 و 252 وروى اليعقوبي في تاريخه: 2 / 180 والمسعودي في مروجه بهامش ابن الأثير: 5 / 188، وابن أعثم في تاريخه: 175، والأغاني: 16 / 127، وأبو مخنف في الجمل برواية ابن أبي الحديد في شرحه للنهج: 2 / 480 وفي عباراتهم بعض الاختلاف قالوا: لما تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي: لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم، فإنكم بحمد الله على حجة وكفاكم عنهم حتى يبدأوكم حجة أخرى، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا من أموالهم شيئا.
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 412 413 415 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649