الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٣٩٣
ويثبطهم ويقول: أيها الناس، إن أصحاب محمد الذين صحبوه أعلم بالله (1) ورسوله ممن لم يصحبه، وإن لكم علينا حق النصيحة، وإن هذه فتنة صماء ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، وقد جعلنا الله تعالى إخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا (2).

(١) في (ب): فالله.
(٢) نقل هذا الكلام الذي صاغه الأشعري وجعله من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن ثبط أهل الكوفة في واقعة الجمل كل من مروج الذهب: ٢ / ٣٦٧، والكامل لابن الأثير: ٣ / ٢٢١، و: ٢ / ٣٢٧ ط أخرى، وتاريخ الطبري: ٣ / ٣٩٣ و ٤٩٨، و: ٥ / ١٨٧ ط أخرى. وابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ١ / ٨٥ أوردها هكذا: إن هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الساعي، والساعي خير من الراكب، فاغمدوا سيوفكم حتى تتجلى هذه الفتنة... دون أن يذكر أنه قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا يدلنا على أنها ليست حديثا لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
أما ابن أعثم فقد ذكر ذلك في الفتوح: ١ / ٤٦٢ دون إسناد المقولة إلى أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل قال: وثب أبو موسى الأشعري وهو يومئذ عامل عليها - الكوفة - فقال: يا أهل الكوفة اتقوا الله (ولا تقتلوا أنفسكم...) وقال أيضا (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم...) قال: فغضب عمار بن ياسر، ثم وثب أبو موسى فأسكته.
ثم جاءت المفاجأة الثانية من عمار مناشدا أبا موسى الأشعري قائلا: يا أبا موسى أنشدك الله، ألم تسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، وأنا مسائلك عن حديث. فإن صدقت وإلا بعثت عليك من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يقررك به، أنشدك الله، أليس إنما عناك رسول الله أنت نفسك فقال: انها ستكون فتنة بين أمتي أنت - يا أبا موسى - فيها نائما خير منك قاعدا، وقاعدا خير منك قائما، وقائما خير منك ماشيا، فخصك رسول الله ولم يعم الناس. فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئا. رواه ابن عساكر وأبو يعلى (انظر أيضا كنز العمال: ٧ / ٢٤٦، و: ١١ / ٢٧٤).
وحديث الفتنة التي يكون فيها القاعد خير من القائم رواه أبو داود ح ٤٢٦٢ ولكنه لم يخص فيه أبا موسى. وهنالك حوار آخر نقله ابن عساكر كما في الكنز: ١٣ / ٦٠٨ عن أبي نجاء قال: كنت جالسا مع عمار، فجاء أبو موسى قال: مالي ومالك، ألست أخاك؟ فقال عمار: ما أدري ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعنك ليلة الجبل؟ قال أبو موسى: قد استغفر لي، فقال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار.
ولهذا وغيره نجد الإمام علي (عليه السلام) يكتب رسالة إلى أبي موسى الأشعري، وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل.
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد، فقد بلغني عنك قول هو لك وعليك، فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك، واشدد مئزرك، واخرج من جحرك، واندب من معك; فإن حققت فانفذ، وإن تفشلت فابعد، وأيم الله لتؤتين من حيث أنت، ولا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك، وذائبك بجامدك وحتى تعجل عن قعدتك، وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك وما هي بالهوينى التي ترجو، ولكنها الداهية الكبرى، يركب جملها، ويذلل صعبها ويسهل جبلها. فاعقل عقلك واملك أمرك، وخذ نصيبك وحظك، فإن كرهت فتنح إلى غير رحب ولا في نجاة، فبالحري لتكفين وأنت نائم، حتى لا يقال: أين فلان؟ والله إنه لحق مع محق، وما أبالي ما صنع الملحدون، والسلام. (نهج البلاغة لصبحي الصالح: الكتاب رقم ٦٣ / ٤٥٣).
أما الحديث الذي رواه الأشعري فهو مروي عن أبي هريرة كما جاء في صحيح البخاري: ٩ / ٦٤ دار إحياء التراث العربي: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به. ولا نريد التعليق على الراوي اليماني الذي اختلف في اسمه، فقيل: إنه عبد الرحمن، وقيل عامر، وقيل: غير ذلك، كان من أصحاب الصفة يتصدق عليه المسلمون وقد صحب النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاث سنين، وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية: ٨ / ١٠٣ - ١١٥ بقوله قال: يزيد بن هارون:
سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس. ذكره ابن عساكر... وروى الأعمش عن إبراهيم قال: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة.
استعمله عمر بن الخطاب في أيام إمارته على البحرين. وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء:
٢
/ ٥٧٨ عن همام بن يحيى... أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره ونزعتني وقد أحببتها. وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين، فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفا، قال: من اين أصبتها؟ قال: كنت ابحر، قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر في بيت المال.
وراجع أيضا الإصابة: ١٢ / ٦٣، وتهذيب التهذيب: ١٢ / 262.
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649