الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٣٧٤
وأعطى يعلى بن منية (1) عائشة جملا اسمه عسكر (2) اشتراه لها بمائتي دينار (3)، وقيل: بل كان الجمل لرجل من عرينة، قال العريني: بينما أنا أسير (4) على جمل لي إذ عرض لي والبة بن الحباب قال: أتبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت:
بألف درهم، قال: أمجنون أنت؟ قلت: ولم وأنا والله ما طلبت عليه أحدا إلا أدركته (5) ولا طلبني أحد إلا فته، قالوا: لا (6) تعلم لمن نريده، إنما نريده لأم المؤمنين عائشة، قلت: فخذه بغير ثمن، قال: بل تذهب معنا إلى الرجل فنعطيك دراهم وناقة. قال: فرجعت فأعطوني ناقة مهرية وستمائة درهم (7).

(١) تقدمت ترجمته آنفا.
(٢) اتفقت المصادر التاريخية على أن اسم جمل أم المؤمنين يسمى " عسكرا " وكان عظيم الخلق شديدا، فلما رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته ويقول في أثناء كلامه " عسكر " فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت، وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت حين سئلت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره، فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله، وقيل لها: قد أصبنا لك أعظم منه خلقا وأشد منه قوة وأتيت به فرضيت! (انظر شرح لابن النهج أبي الحديد: ٦ / ٢٢٤، وبحار الأنوار: ٣٢ / ١٣٨) وأضاف ابن أبي الحديد في: ٦ / ٢٢٧ أن عائشة ركبت يوم الحرب الجمل المسمى عسكرا في هودج قد ألبس الرفوف، ثم ألبس جلود النمر، ثم ألبس فوق ذلك دروع الحديد. ومثل ذلك جاء في تاريخ ابن أعثم: ١٧٦. وزاد الطبري في: ٥ / ٢١٢ وابن الأثير: ٣ / ٩٧ أن ضبة والأزد أطافت بعائشة يوم الجمل. وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل يفتونه - يكسرونه بأصابعهم - ويشمونه ويقولون:
بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك...
(٣) تقدمت تخريجاته.
(٤) في (أ): راكب.
(٥) في (أ): لحقته.
(٦) في (ب): لو.
(٧) ذكر هذه القصة الطبري في تاريخه: ٣ / ٤٧٥ باختلاف بسيط في اللفظ مع إضافة: لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا. قال: قلت: ولمن تريده؟ قال لأمك، قلت: لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا، قال: إنما أريده لأم المؤمنين عائشة، قلت: فهو لك فخذه... وزادني أربعمائة أو ستمائة درهم.
وأضاف الطبري أيضا: فقال لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قال: قلت: نعم أنا من أدرك الناس، قال فسر معنا، فسرت معهم فلا أمر على واد ولا ماء إلا سألوني عنه حتى طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها قالوا: أي ماء هذا؟ قلت: ماء الحوأب. قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت: أنا والله صاحبة الحوأب طروقا ردوني - تقول ذلك ثلاثا - فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد. قال فجاءها ابن الزبير فقال: النجا النجا فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب. قال: فارتحلوا وشتموني فانصرفت...
وذكر ابن أعثم في الفتوح: ١ / ٤٦٠ بعد أن ذكر الواقعة أن عائشة قد تقدمت فيمن معها من الناس، حتى إذا بلغت إلى ماء الحوأب وذلك في وقت السحر نبحت الكلاب، فسمعت عائشة رجلا من أهل عسكرها يسأل ويقول: أي ماء هذا؟ فقيل له: هذا ماء الحوأب، فقالت عائشة: ردوني، فقيل لها: ولم ذلك؟ فقالت: لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول كأني بامرأة من نسائي تنبح عليها كلاب الحوأب، فاتقي الله أن تكوني أنت يا حميراء. قال: ونزل القوم هنالك، فما أصبحوا إذا عبد الله بن الزبير قد أتى بخمسين رجلا يشهدون عندها أن هذا الماء ليس بماء الحوأب وأنهم قد جاوزوا ماء الحوأب بليل، قال:
فكانت هذه الشهادة أول شهادة زور شهد بها في الإسلام.
وقال أبو مخنف: ولما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب - وهو ماء لبني عامر بن صعصعة - نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها، فقال قائل من أصحابها: ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وما أشد نباحها؟ فأمسكت عائشة زمام بعيرها، وقالت: وإنها لكلاب الحوأب، ردوني ردوني، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب... فقال لها قائل: مهلا يرحمك الله، فقد جزنا ماء الحوأب، فقالت: فهل من شاهد؟ فلفقوا لها خمسين أعرابيا، فجعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب، فسارت عائشة لوجهها. (انظر شرح النهج لابن أبي الحديد: ٦ / ٢٢٥، مروج الذهب:
٢ / ٣٦٦، البحار: ٣٢ / ١٣٩، أعيان الشيعة: ١ / ٤٥١، تاريخ الطبري: ٥ / ١٧٨، وط أوروبا: ١ / ٣١٢٧).
وقد روى الحافظ أبو بكر البزار عن ابن عباس كما أخرجه ابن كثير في تاريخه: ٦ / ٢١٢، والسيوطي في خصائصه: ٢ / ١٣٧ قال: قال رسول الله، ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب، تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب، ويقتل عن يسارها وعن يمينها خلق كثير... ثم تنجو بعدما كادت؟
فضحكت عائشة فقال لها: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، تقاتلين عليا وأنت له ظالمة.... وعلق ابن عبد البر على الحديث في الاستيعاب عندما ترجم لعائشة قائلا: وهذا الحديث من أعلام نبوته.
وعصام ابن قدامة - أحد رواة الحديث - ثقة وسائر الأسناد أشهر من أن يحتاج لذكره.
وروى البيهقي عن أم سلمة قالت: ذكر النبي خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال لها: انظرى يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي وقال: يا علي إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها. أخرجه ابن كثير في: ٦ / ١١٢، والسيوطي في خصائصه: ٢ / ١٣٦، والخوارزمي في المناقب تحت عنوان قتال أهل الجمل، والمستدرك: ٣ / ١١٩، والإصابة: ٦٢، والعقد الفريد لابن عبد ربه: ٣ / ١٠٨، والسيرة الحلبية: ٣ / ٣٢٠.
وفي مسند أحمد: ٦ / ٩٧ أن الزبير قال عند ذلك: ترجعين عسى الله عزوجل أن يصلح بك بين الناس. قال ابن كثير: ٧ / ٢٣٠ وهذا أسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفي المستدرك:
٣
/ ١٢٠: قال الزبير: لا تقدمي ويراك الناس... الحديث. وفي الطبري: ٣ / ٤٨٥ عن الزهري: فأرادت الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير... وفي البداية والنهاية لابن كثير: ٧ / ٢٣٠ أن الزبير قال لها: إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب. وروى ذلك أبو الفداء في تاريخه: ١٧٣.
أما المسعودي في مروج الذهب: ٢ / ٧ فقد ذكر أن ابن الزبير قال: بالله ما هذا الحوأب ولقد غلط في ما أخبرك به، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها، فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب... وفي تاريخ اليعقوبي: ٢ / ١٥٧ والكنز: ٦ / ٨٣ أن عائشة قالت ردونى ردوني... فأتاها القوم بأربعين رجلا فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب.
ومن أراد المزيد فليراجع ابن الأثير في مادة (الحوأب) من كتابه النهاية، والزمخشري في الفائق، والحموي في معجم البلدان، وابن الطقطقي في الفخري: ٧٨ ط المصرية، والزبيدي: ١ / ١٩٥ و ٢٤٤، ومسند أحمد: ٦ / ٥٢ و ٩٧، وابن أعثم في: ١٦٨، والسمعاني في ترجمة الحوأبي في الأنساب، والسيرة الحلبية: ٣ / 320، ومنتخب الكنز: 5 / 444.
وقفة قصيرة مع الطبري:
بعد كل هذا وذاك لا ندري ممن جاء المؤرخ الكبير الطبري في تاريخه: 2 / 495 - 497 أو في:
1 / 1901 ط أوروبا من حوادث السنة الحادية عشرة للهجرة وفي " ذكر ردة هوازن وسليم وعامر " أن
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 374 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649