الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن أبي الحديد المعتزلي - الصفحة ٩٦
يعاقيب ركض في الربود سوابح * يماثلها لولا الوكون اليعاقيب (1) فأشربه كأس المنية أحوس * من الدم طعيم وللدم شريب (2) إذا رامه المقدار أو رام عكسه * فللقرب تبعيد وللبعد تقريب (3) فلم أر دهرا يقتل الدهر قبلها ولا حتف عضب وهو بالحتف معضوب (4)
١ الركض هنا العدو وليس بأصل لأن الركض ضرب الفرس بالرجل لتعدو والربود جمع ربد وهو الراقي من الجبل. والسوابح جمع سابحة وهو الفرس الجيد العدو وسبح الفرس عدا. والوكون جمع وكن وهو عش الطائر في الجبل أو في الجدار واليعاقيب جمع يعقوب وهو ذكر الحجل جعل الخيل لقوتها تعدو على الجبال فكأنها تطير وجعلها أصلا في الطيران وجعل اليعاقيب فرعا عليها في المماثلة لولا أنهم ذوات أعشاش وأما قوله يعاقيب، فجاء في اللسان: اليعاقيب من الخيل سميت بذلك تشبيها بيعاقيب الحجل أو العقبان، والمعنى بهذا ظاهر.
٢ أشربه أي سقاه والهاء لمرحب. والأحوس الذي لا يهوله شئ والمراد به أمير المؤمنين وطعيم وشريب من أبنية المبالغة واستعار لفظهما لعلي لكثرة جهاده وسفكه الدماء في سبيل الله حتى كأن الدم طعامه وماءه اللذين بهما قوام الحياة.
٣ الهاء في رامه يعود إلى الأحوس وفي عكسه إلى المقدار أي إذا طلبة بسوء أو طلب هو عكس المقدار فلقرب مطلب المقدار تبعيد ولبعد عكس المقدار تقريب منه والمعنى يحكم على المقدار ولا يحكم المقدار عليه، والمقدار هو ما يقضيه الله تعالى ويقدره على العبد ولا إشكال في ذلك لأنه إنما يدفع قضاء الله بالاستعانة به والتوكل عليه وبأفعال الخير التي هي سبب لدفع محذور القضاء كما جاء في دعاء مولانا العسكري (يا من يرد باللطف والصدقة والدعاء عن عنان السماء ما حتم وابرم من سوء القضاء.) ٤ الضمير في قلبها يعود إلى الوقعة. والعضب السيف القاطع والمعضوب المكسور واستعار لعلي عليه السلام وكذا لمرحب لفظي الدهر والعضب لكونهما قاتلين قاطعين فأخرج الكلام مخرج التعجب لأن الدهر من شأنه أن يكون قاتلا لا مقتولا والسيف يكون قاطعا لا مقطوعا فعلي عليه السلام هو الدهر القاتل والسيف الكاسر ومرحب هو المقتول والمكسور.