الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن أبي الحديد المعتزلي - الصفحة ٩٣
ليكره طعم الموت والموت طالب * فكيف يلذ الموت والموت مطلوب (1) دعا قصب العلياء يملكها امرؤ * بغير أفاعيل الدناءة مقضوب (2) يرى أن طول الحرب والبؤس راحة * وأن دوام السلم والخفض تعذيب (3)

١ هذا البيت ليس على عمومه بل مخصوص بهما وبأمثالهما وهو من قول بعض العرب وقد قيل له لم تفر فقال والله إني لا أكره الموت وهو يأتيني أنا أسعي إليه بقدمي.
٢ يريد قصب سبق العليا فحذف المضاف للدلالة عليه وفي القصب وجهان أحدهما أنه يراد به مسافة السباق لأنها تمسح بالقصب فأطلق عليها لفظ القصب مجازا و الآخر أنهم كانوا يجعلون في غاية الحلبة قصبة فالسابق يأخذ تلك القصبة ليكون شاهدا له بالسبق. والمقضوب المعيب وقضبه إذا عابه فمقضوب صفة لا مرئ وبغير متعلقة بمقضوب فالتقدير يملكها امرؤ معيب بغير فعل دني وكان الأحسن أن يكون وضع الكلام يملكها امرؤ غير مقضوب بفعل دني فكان يحصل بذلك التنزيه لأمير المؤمنين عليه السلام والتعريض بغيره ووجه البيت أنه كامل ليس فيه عيب إلا ما ادعاه فيه أعداؤه وذلك لو ثبت لكان من مكارم أخلاق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فقد كان يمزح ويقول إني لا مزح ولا أقول إلا حقا وأول من نسب عليا إلى الدعابة عمر بن الخطاب ثم انتشر في أفواه أعدائه كمعاوية بن هند وعمرو بن النابغة حتى قال علي عليه السلام عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام إني في دعابة وإني امرؤ تلعابة أعانس وأمارس لقد قال باطلا ونطق آثما بفسوقه ثم شهد بفسوقه وغدره وجبنه في كلام له وكأن ابن أبي الحديد نظر في هذا البيت إلى قول بعضهم:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب.
٣ البؤس شدة الحاجة والسلم الصلح يكسر ويفتح ويذكر ويؤنث. والخفض الراحة والمدح في هذا البيت يتوجه باعتبارين الأول بالنظر إلى مطلق الشجاعة والتجرد لها واطراح الراحة كما تمدح العرب بذلك في نظمها ونثرها، والثاني بالنظر إلى العبادة فإن الجهاد أعظم العبادات.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست